أكثر من مرة زيارته والوصول إلى قبره فلم نتمكن من ذلك.
قال ولده الإمام محمد بن القاسم : فأقرب من به في ذلك تقتدون ، وبفعله في الهجرة عن القرى والمدن تأنسون ، جدكم الأقرب أبي وأبوكم القاسم بن إبراهيم رضي الله عنه ورحمه ، وقبل عزلته وهجرته منه ، وقد كان رحمهالله زمانا طويلا من عمره بالمدن مدن الحجاز ومدينة مصر ساكنا داعيا إلى طاعة الله ، فلما لم ير في أهل القرى والمدن إلى طاعة الله ربه وحقه ومرضاته مستجيبا ، ولم ير فيها إلا غرقا في الجهل والمعاصي لا تائبا إلى ربه ولا منيبا ، ورأى القرى والمدن أصل كل منكر وضلال ، وتجمع الفجار والفساق والأرذال الدناة والأفسال ، تبرأ إلى الله منهم ، وهاجر إلى البادية والجبال عنهم ، فوفقه الله للصواب في ذلك وأرشده ، وأراه له الخيرة في دنياه وأسعده ، فخلا بنفسه وأهله وولده ، وجرى حكمه عليهم وعلى من تحت يده ، فصار ـ نظرا واختيارا ، بعد أن أحاط بالمدن والقرى وأهلها اختبارا ـ إلى بادية المدينة وجبالها ، وتنحى عن المدينة وأهلها ، وحل في جبل من باديتها يسمى قدسا (١) ، فكان به حينا وكنا به معه أطفالا صغارا ، لا يعاين فسقا ولا فجورا ولا منكرا ، ثم انتقل إلى (وادي الرس) وجباله ، فكان خاليا فيه بولده وعياله ، ما أمرنا فيه من أمر أطعناه ، وما عرفنا في الدين من حق أو قول في الهدى والصواب قبلناه.
ثم انتقل إلى فرع آخر من جبل يسمى (الأشعر) من جبال جهينة ، بعد أن أقام عمرا طويلا وسنين كثيرة في (وادي مزينة) فكان منه بجبل وفرع يدعا (فرع السور) حتى توفي فيه رحمة الله عليه وقبض ، وكان قد عاهد الله وأعطاه من نفسه أن لا يسكن هو ولا أحد يطيعه من ولده ما بقي حيا مجامع الناس بين المدن والقرى (٢).
* * *
__________________
(١) في وفاء الوفاء للسمهودي في أخبار دار المصطفى (قدس) بالضم وسكون الدال المهملة.
قال الهجري جبال قدس غربي ضاف من البقيع ، (وقدس) جبال متصلة عظيمة كثير الخير تنبت العرعر والخزم وبهاتين وفواكه وفراع ، وفيها بستان ومنازل كثيرة من مزينة. ٤ / ١٢٨٧.
(٢) الهجرة والوصية / ٦٢ ـ ٦٣. (مخطوط).