وشدد المأمون على الإمام القاسم وواليه في مصر حتى رصدا الجوائز لمن يدل على الإمام القاسم.
قال السيد أبو طالب : عن أبي عبد الله الفارسي ـ خادم القاسم وملازمه في السفر والحضر ـ قال : ضاق بالإمام القاسم عليهالسلام المسالك واشتد الطلب ، ونحن مختفون معه خلف حانوت إسكاف ـ صانع الأحذية ـ من خلصان الزيدية ، فنودي نداء يبلغنا صوته : برئت الذمة ممن آوى القاسم بن إبراهيم ، وممن لا يدل عليه ، ومن دل عليه فله ألف دينار ، ومن البز كذا وكذا. والإسكافي مطرق يسمع ويعمل ولا يرفع رأسه ، فلما جاءنا قلنا له : أما ارتعت؟! قال : من لي بارتياعي منهم! ولو قرضت بالمقاريض بعد إرضاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله عني في وقايتي لولده بنفسي (١).
«واشتد الطلب له هناك من عبد الله بن طاهر فلم يمكنه المقام ، فعاد إلى بلاد الحجاز وتهامة ، وخرج جماعة من دعاته من بني عمه وغيرهم إلى بلخ ، والطالقان ، والجوزجان ، ومروروذ فبايعه كثير من أهلها ، وسألوه أن ينفذ إليهم بولده ليظهروا الدعوة ، فانتشر خبره قبل المتمكن من ذلك ، فتوجهت الجيوش في طلبه نحو اليمن ـ يعني جهة اليمن ـ فاستنام ـ أي انحاز ـ إلى حي من البدو واستخفى فيهم. وأراد الخروج بالمدينة في وقت من الأوقات ، فأشار عليه أصحابه بأن لا يفعل ذلك ، وقالوا : المدينة والحجاز تسرع إليهما العساكر ، ولا يتمكن فيهما من الميرة.
ولم يزل على هذه الطريقة مثابرا على الدعوة صابرا على التغرب والتردد في النواحي والبلدان ، متحملا للشدة ، مجتهدا في إظهار دين الله.
ولقد حاول المأمون كثيرا في مصافاة الإمام القاسم ليأمن جانبه ، فلم يحصل على طائل.
حكى الإمام الهادي يحيى بن الحسين عن أبيه ، أن المأمون كلف بعض العلوية أن يتوسط بينه وبين القاسم عليهالسلام ويصل ما بينهما ، على أن يبذل له مالا عظيما ،
__________________
(١) الإفادة / ١٢٥ ـ ١٢٦.