والدليل البتّ اليقين ، الشاهد العدل المبين ، على أن آدم عليهالسلام بدئ من التراب وخلق ، مصير نسله ترابا إذا بلي وفرّق ، وكل مركّب انتقض من الأشياء ، فعاد إلى شيء عند (١) تنقضه بالفرقة والبلى ، فمنه ركّب وخلق غير شك ولا امتراء ، كالثلج والجليد ، والبرد الشديد ، الذي يعود كل واحد منهما إذا انتقض وفرّق ، إلى ما ركّب منه من المياه وخلق ، وكمركّب الأشجار والحبوب وغيرهما من ضروب الأغذية ، التي تعود عند بلائها إلى ما ركّبت منه من الأرضين والمياه والنيران والأهوية.
وآدم عليهالسلام في أنه من تراب ـ وإن كان كمالا وأبا ـ كأولاده ، يجري عليه في أنه من تراب ما يجري على أجزائه وآحاده (٢) ، وما يعاين من معاد أنساله ، التي هي أجزاؤه من كماله ، إلى الرفات الجامد ، والتراب الهامد ، يلحق به مثله ، إذ هم جزؤه ونسله ، وما لحق بالأجزاء ، من الموت والبلاء ، فلا حقّ لا محالة بالكمال ، والكمال (٣) والأجزاء فجارية منه على مثال ، إذ كانت أشباها متماثلة ، وأمثالا لا يجهل تماثلها متعادلة! وأما يقين خلقه إيانا سبحانه من نطفة ، وما جعل منا أزواجا مختلفة ، في الخلقة غير مؤتلفة ، فمعاين فينا معلوم ، لا تدفعه العيان ولا الحلوم. ألا ترى أن النطفة لو لم تكن لما كنت ، ولو عدمت إذن لعدمت. وما كان إذا عدم عدمت ، فمنه غير شك خلقت وقوّمت. ألا ترى أن كون المرعى والأشجار ، مما ينزل الله لها من المياه والأمطار ، فإذا عدم الماء والمطر ، هلك المرعى والشجر ، أولا ترى أن كل ثمرة فمن شجراتها ، فإذا عدمت الشجرات عدمت ثمراتها.
وما عجّب الله به سبحانه من صنعه في تكثيره منه للقليل المفرد ، ونشره تبارك وتعالى للكثير من واحد العدد ، فأعجب عجاب ، عجب له من خلقه أولو الألباب ، بينا نحن تراب ميت إذ أحيانا ، ونطفة واحدة إذ كثرنا فأثرانا ، فجعل سبحانه منا بنطفة تمنى ، ذكرا يعاين وأنثى ، حكمة منه سبحانه لا عبثا ، كما قال تبارك وتعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً
__________________
(١) في (أ) : بعد.
(٢) في (ج) و (ه) : وأوحاده.
(٣) سقط من (ب) و (ج) : الكمال.