فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى)(٤٠) [القيامة : ٣٦ ـ ٤٠].
فصرّفنا بعد خلق خلقا ، ترابا ثمّ نطفة ثمّ تارة علقا ، تصاريف لا يدّعي على الله فيها مدع دعوى ، فيعلن بدعواه فيها ولا يسر (١) بها نجوى ، تبريا إلى الله الخالق منها ، وتضاؤلا في جميع الأشياء عنها.
وكل هذه التصاريف فلا بد لها من مصرّف ، وما عدّد من شتيت الأصناف فلا بد لها من مصنّف ، لا تدفع الألباب وجوده ، ولا يكذّب إلا كاذب شهوده.
وما ذكر سبحانه من حمل كل أنثى ووضعها بعلمه ، فما لا ينكره أحد وهبه الله حكمة من حكمه ، وما لا يأباه منقوص بعد التقرير إلا بمكابرة منه لعقله ، مع الاقرار منه لنا صاغرا راغما بمثله ، وإذا كان بمثله مقرا ، كان بإنكاره له مكابرا ، بل يعطى فيأبى (٢) ، إلا مجانة وألعابا ، إنما هو أصغر صغرا ، وأيسر أضعافا قدرا ، من حمل الأنثى ووضعها ، وتأليف أعضاء الولدان وجمعها ، وما فيها من حسن التصوير ، وداخل معها في (٣) لطيف التدبير ، لا يقوم معتدلا ، ولا يبقى متصلا ، طرف (٤) عين ، بأيقن يقين ، إلا بعلم من عليم ، وتدبير متقن من حكيم ، لا تلمّ به سنة ولا نوم ، ولا تنازعه الأشغال ولا الهموم.
وكذلك تعمير المعمّر ، وما ينقص له من عمر ، فلا يكون أبدا إلا في كتاب ، إذ كانت الأيام والليالي بحساب ، ولا يكون نقص العمر وزيادته ، إلا لمن به قوامه ومادته ، ممن (٥) يدبر الأيام والليالي ، ولن يوجد ذلك إلا عن الله الكبير المتعالي ، ولا (٦) يكون كتاب ذلك الذي ـ هو علمه ـ على من وسع الأشياء كلها تدبيرا ، إلا خفيفا ـ لا
__________________
(١) في (أ) : يسير.
(٢) في جميع المخطوطات : فلا يأبى. والكلام غير مستقيم وأشار في (أ) إلى نسخة بأن (فلا) محذوف ، ولعل ما أثبت هو الصواب والله أعلم.
(٣) في (أ) و (ه) : من.
(٤) في (ب) و (ج) و (د) : طرفة.
(٥) في (أ) : فمن.
(٦) في (أ) : ولن.