يؤده ـ حفظه ـ عليه تبارك وتعالى كما قال : يسيرا ، ثمّ أخبر سبحانه صدقا ، ونبّأ في كتابه حقا ، بقدرته على أن يخلق من الأشتات المختلفة ، واحدا غير مختلف في الصفة ، لأنه من قدر على خلق الأشتات من المؤتلف الذي لا يختلف ، قدر على خلق الواحد المشتبه من الأشتات التي لا تأتلف ، كخلقه سبحانه لأحدان (١) ، ما خلق من الدر واللحمان ، من مختلف البحار وأشتاتها ، بأبين اختلاف من أجاجها وفراتها. فجعل سبحانه منها ، مع خلافه بينها ، لحما واحدا مشتبها طريا ، ولباسا واحدا من الدر حسنا بهيا ، وحمل سبحانه على ظهورها ، مع خلافه بينها في أمورها ، الفلك المشحون السائر ، وردها بعد التفريغ فيه مواخر (٢) ، ليعلم ـ من عجيب تدبير أمرها ، واختلاف (٣) الحال في مسيرها ، إذ تسير شاحنة مالية ، كما تسير ماخرة خالية ، وإذ تسير بحاليها جميعا في أجاج البحار ، كما تسير بهما في فرات الأنهار ـ أن لها لمسيّرا لا تختلف في قوته الأشياء ، ومدبرا قويا لا تساويه الأقوياء ، وأن تسييرها مقبلة ومدبرة ، وشاحنة في البحرين وماخرة ، إلى من يدبر ما سارت به من مختلف الرياح المسيّرات ، ومن يملك ما جرت فيه من الماء الأجاج والفرات ، ومن له ملك ما لو لا هو لم تكن الرياح الجاريات ، ولم يوجد الملح (٤) من المياه ولا الفرات.
ومن إيلاجه سبحانه الليل في النهار ، وما قدر بهما من المواقيت والأقدار ، وتسخيره سبحانه للشمس والقمر ، اللذين بهما دبّر مسير الفلك في البحار كل مدبّر ، كان لتدبيره ـ في المسير بهما في بحر ـ حكمة ، أو فيهما (٥) لفلك بعد الله من نجاة عصمة ، لما جعل سبحانه فيهما من الضياء ، وبصّر بهما في المسير من القصد للأشياء ، وبصّر تبارك وتعالى بغيرهما ، إذ فقد (٦) في ظلم الليل ما جعل من البصر بتسخيرهما ، من
__________________
(١) في (د) : الاحداث ، مصحفة. والأحدان : جمع أحد ، واللحمان : جمع لحم.
(٢) جاريات.
(٣) في (أ) : عجيب تدبيرها ، وباختلاف.
(٤) في (د) : المالح.
(٥) في (أ) و (ج) و (د) : فيه.
(٦) في (أ) إذا افقد. وفي (د) : إذ أفقد.