وخلقه للكثير المختلف من الواحد الذي ليس بذي اختلاف ، وما ولي الله سبحانه من تدبير النجوم وتسخيرها ، وإجراء الفلك في مختلف البحار وتسييرها ، وإيلاجه سبحانه الليل في النهار ، وتقديره لذلك كله بأحسن الأقدار ، (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)(١٣) [فاطر : ١٢ ـ ١٣]. فصدق الله تبارك وتعالى ، ذو الملك والقدرة والأمثال العلى ، إنه لهو الله ربنا ، ومنّا منه كان خلقنا وتركيبنا ، له الملك ومنه عجيب التدبير ، ومن دعي معه أو دونه فما يملك من قطمير ، والقطمير : فأصغر ما يملكه متفرد به مالك ، أو يشرك مليكا في ملكه مشاركه.
فكل ما ذكر الله من هذه الأمور ، فنيّر (١) بيّن غير مستور ، يشاهده ويحضره ، ويعاينه ويبصره ، من آمن بالله شكرا ، أو صد عن الله كفرا.
أو لا تسمع قوله سبحانه : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)(٣٣) [الأنبياء : ٣٠ ـ ٣٣]. ففتق السماوات والأرض فيهن ظاهر لا يتوارى ، يراه ويعاينه كل ذي عين ترى ، وما يعاين فيهن ويرى فتقا ، فشاهد على أنهن كنّ قبله رتقا ، إذ لا يكون فتق إلا لمرتتق ، كما لا يكون رتق إلا لمفتتق ، ولا فتح إلا لمنغلق. ولا بد يقينا لكل مفتوق من فاتقه ، كما لا بد لكل مفتوح من فاتح أغلاقه (٢) ، وما جعل الله من الماء من
__________________
(١) في (د) و (ه) فبين بين. وفي (ج) : فمنير بأثر التدبير من الله غير مستور.
(٢) في (أ) : علاقه.