موضعها ، واستقرت ثابتة في موقعها ، لأنها زعموا معتدلة في الوسط ، غير مائلة إلى جهة من الجهات بفرط ، مستوية كاستواء كفة الميزان ، ممتنعة لاستوائها عن الميلان ، يمينا أو شمالا ، أو علوا أو سفالا (١) ، وقال حشو هذه الأمة المختلف ، الذي لا يفقه ولا يتصرف (٢) ، قرار الأرض زعموا على ظهر حوت (٣) ، ونعتوا حوتها في ذلك بألوان من النعوت ، وأشبه هذه الأقوال عندنا بالحق ، وأقرب ما قيل به فيها من الصدق ، أن يكون ما تحت الأرض خلاء منفهقا ، وهواء من الأهوية منخفقا (٤) ، ليس فيهما لسالكهما رد يرده ، ولا للمقبل والمدبر فيهما صد يصده ، لقول الله سبحانه : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣)) [الأنبياء : ٣٣].
وليس أحد من هذه (٥) الفرق كلها التي وصفنا ، وإن قالوا من مختلف الأقوال بما ألفنا ، إلا مقر لا يناكر ، ومعترف لا يكابر ، أن الشمس والقمر يسلكان بأنفسهما ، أو يسلك فلكهما بهما ، فيما يرى من دورهما ، ويعاين في كل حين من مرورهما ، من تحت الأرض لا من فوقها ، يعرف ذلك بغروب الشمس في كل يوم وشروقها ، لا يسلكان
__________________
(١) في (أ) و (ب) : سفلا. وفي (د) : أسفالا.
(٢) في (أ) : يصرف. وفي هامش (د) : يتعرف. ولعله الصواب.
(٣) أخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، والخطيب في تاريخه ، والضياء في المختارة ، عن ابن عباس ، قال : إن أول شيء خلق الله القلم ، فقال له : اكتب ، فقال : يا رب وما أكتب؟ قال : اكتب القدر ، فجرى من ذلك اليوم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ، ثم طوي الكتاب وارتفع القلم ، وكان عرشه على الماء ، فارتفع بخار الماء ففتقت منه السماوات ثم خلق النور فبسطت الأرض عليه ، والأرض على ظهر النون ، فاضطرب النون ، فمادت الأرض فأثبتت بالجبال ، فإن الجبال لتفخر على الأرض إلى يوم القيامة ، ثم قرأ ابن عباس : (ن ، وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ). الدر المنثور ٨ / ٢٤٠.
وقد ذكره المسعودي في مروج الذهب ١ / ٢٨ ، واستنكره محققه الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد.
ولا شك أن هذه من الخرافات والدسائس الإسرائيلية التي غزت كتب الحديث والتفسير عند المحدثين.
(٤) أي : متحركا. وفي (أ) : متخفقا. وفي (ب) و (ج) و (ه) : متحققا.
(٥) سقط من (ب) و (ج) : هذه.