الغنى الباقي المخلد ، وسكن اضطراب نفسه وقلقها ، إذ علمت يقينا أن الله هو ربها وخالقها.
وبلغني أن حكيما آخر من حكماء الأولين ، كان في أمة تعبد الأصنام من الأمم الخالين ، كان يقول : من أيقن بالله إيقانا نقيا ، لم يزل بالله في عاجل الدنيا ما بقي غنيا ، وأيقن ليقينه بالله بكل حقيقة علم معلومة ، وأدرك ليقينه بالله من العلوم كل ذات سر مكتومة ، فاطلع بما ينوّر الله من قلبه على خفي سرها ، وأمن أن تتعبده الدنيا برقّ مسكنتها وفقرها!.
وبلغني أيضا عن بعض من تقدم وخلا ، من الأمم السالفة الأولى ، أنه كان يقول : لا يشك أحد ولا يمتري ، ممن خلا ولا ممن بقي ، في أن من جهل الصانع كان للعقوبة مستوجبا مستحقا ، نعم ولم يؤمن عندي أن لا يكون ممن يعرف من الحقوق كلها حقا ، إلا معرفة فاسدة مختلطة ، مقصرة عن التحقيق أو مفرطة ، لأن من جهل ما كثرت دلائله وشهوده ، ووجد بمتظاهر الآيات فلم يدفع وجوده ، حريّ حقيق ، وجدير خليق ، أن يكون بكل شيء جاهلا ، وأن لا يعتقد من علم شيء طائلا.
أما رأيت العامة لما (١) هي فيه من الجهل بالله الأعلى ، إذ جهلت ما قلنا مما كثر الله على معرفته الأدلاء ، كيف قلّت بحقائق الأمور علومها ، وضلّت بعد جهلها بمعرفته حلومها(٢) ، فقالت في دينها بكل قول متناقض مذموم ، لا يصح لفحش تناقضه في الألباب ولا الحلوم ، فهي فيه دائبة تخبط كل عشوى (٣) ، وصادة عن سبيل كل تقوى ، ترى معتقد باطلها فيه حقا ، وزور قولها فيه على الله صدقا ، وقبيحها فيه حسنا جميلا ، وجهلها به علما جليلا.
فمن جهل الله تبارك وتعالى ، فلن يدرك بحقيقة من الأشياء إلا شبها أو خيالا ، ولن
__________________
(١) سميت العامة : عامة لالتزامهم بالعموم. الذي اجتمع عليه أهل الخصوص ، وهم الذين يقولون بالأصول ، ولا يعرفون شيئا من الفروع ، ويقرون بالله ، وبرسوله ، وكتابه ، وما جاء به رسوله على الجملة ، ولا يدخلون في شيء من الاختلاف. الحور العين ٢٥٨. وفي (أ) و (د) و (ه) : بما.
(٢) عقولها.
(٣) في (ه) : تخبط خبط عشوى. والعشوى : الناقة التي لا تبصر أمامها.