يفكر ، لم يؤمن ولم يبصر ، وإنما يوقن من فكّر ، ويبصر من نظر ، كما قال سبحانه: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) [الأعراف : ١٨٤ ، الروم : ٨]. (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا) [الأعراف : ١٨٥]. (أَوَلَمْ يَرَوْا) [النحل : ٤٨]. تنبيها من الله بذلك كله لهم على أن يوقنوا فلا يمتروا ، فيما عرفهم الله سبحانه من نفسه بآياته ، ودلهم على معرفته من غيب أموره بدلالاته ، فليس يوصل إلى معرفته واليقين به ، وما احتجب عن (١) العباد من غيبه ، إلا بما جعل من (٢) الدلالات ، وأرى من الآيات ، كما قال سبحانه : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (٥٤) [فصلت : ٥٣ ـ ٥٤]. ولقاؤهم لربهم فهو مصيرهم ومرجعهم إليه ، وليس بلقاء رؤية ولا عيان ولا يمكن شيء من ذلك فيه(٣) ، لبعده سبحانه في ذلك وغيره من مماثلة الناس وغير الناس ، وبقدسه وتعاليه عن أن ينال أو يدرك بحاسة من الحواس ، وإنما تدرك معرفته وتنال ـ له القدس والكبرياء والجلال ـ بما بيّن من الدلائل والآيات لقوم يعقلون ، كما قال سبحانه : (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [البقرة : ١١٨]. فليس بعد تبيين الله بيان ، يكون به معرفة ولا إيقان.
والحمد لله على ما بيّن من آياته ، وأوضح من دلالاته (٤) ، ونستعين بالله على اليقين بمعرفته ، ونعوذ بالله من الإلحاد في صفته.
وفي مدحة الله سبحانه للأبرار ، بما آمنوا به مما غاب عن الأبصار ، واستدلوا عليه بالنظر والأفكار ، عن (٥) غيب المعرفة بالله وإيقانه ، وما لا يدرك أبدا من الله برؤيته جهرا(٦) ولا عيانه ، وما لا يصاب فيه أبدا حقيقة العلم واليقين ، إلا بما جعل الله عليه
__________________
(١) في (أ) و (ج) : من.
(٢) في (ب) : جعل الله الدلالات.
(٣) سقط من (ب) و (د) : فيه.
(٤) في (ب) و (د) : دلائله.
(٥) في (ب) و (د) : من.
(٦) في (ب) و (د) : جهرة.