تجديده ، وإذ (١) كان ذلك كذلك وجد الصانع المبدع عند وجوده ، والمحدّد له المحدث بما بان فيه من حدوده ، لأنه لا يكون أبدا حدث إلا من محدث موجود ، ولا يكون حد (٢) أبدا إلا من مفرّق محدود ، كما قد رأينا في ذوات الحدود ، من كل مفترق موجود ، لا يمتنع من درك ذلك ويقينه وعلمه (٣) ، إلا من كان مكابرا فيه لحسّه ووهمه.
وإنما أراد إبراهيم صلى الله عليه بما عدّد من ذلك وذكر ، ما ابتدع من ذلك كله وصنع وافتطر ، مما لا صنع فيه لصانع مع الله ، وما لم يوجد شيء فيه قط إلا من الله ، فأما ما يصنع العباد بعد صنع الله من أخذ وعطاء ، وما يدور في ذلك بينهم من الأشياء ، فلم يرده إبراهيم صلى الله عليه ، ولم يعدده ولم يذهب إليه ، وكل ما كان من العباد في ذلك من الصنائع ، فغير صنع الله في الابتداء والبدائع ، صنع الله سبحانه فابتداع ، وصنع العباد فاحتيال (٤) واصطناع ، وصنع الصّانع ، غير صنع الطبائع ، صنع الطبائع (٥) صنيعة مبتدعة مطبوعة ، وصنع الصانع فصنيعة معتملة مصنوعة ، والصنعة لا تكون إلا في مصنوع ، والطبيعة لا تكون إلا في مبدوع ، فما طبع من غير شيء ، وكان من غير أصل ولا بدي ، وذلك كله وأمثاله ، فما لا يصنعه إلا الله جل جلاله ، ولا يدركه أبدا ولا يناله ، صنع الخلق ولا احتياله.
ولو كان ـ ما صنع وابتدع تبارك وتعالى ، من ذلك من (٦) الأرضين والسماوات العلى ، وجعل من الليل والنهار ، وما مزج بقدرته من البحار ، وما أرسى من الجبال ، صنع أكفّ واحتيال ـ إذا لما قدر بذلك على صنع أقله ، فضلا عن صنع جميعه وكله ، في وقت من الأوقات وإن طال أبدا ، بل إن كان الوقت منه ممتدا سرمدا (٧) ، ولكنه
__________________
(١) في (ب) و (د) : وإذا.
(٢) في (ب) و (د) : حدا. مصحفة.
(٣) في (أ) و (ج) : وعلمه ويقينه. مقلوبة.
(٤) في (أ) : فاختيار. مصحفة.
(٥) سقط من : (أ) و (ب) و (د) : صنع الطبائع. ولعلها سقطت لظن التكرار.
(٦) في (ب) : ومن.
(٧) في (ب) و (د) : وإن كان الوقت فيه ممتدا سرمدا.