وفي ذلك ما يقول الله سبحانه لرسوله ، صلىاللهعليهوآله : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)(١٢٨) [النحل : ١٢٧ ـ ١٢٨]. وأول التقوى والإيمان ، والبر والنهى (١) والإحسان ، فهو حقيقة المعرفة بالله والإيقان ، فمن أيقن بالله وعرفه أنس واستراح ، وجمع بمعرفته لله السرور والأفراح ، وقلّت وحشته وأحزانه ، وعظمت راحته وأمانه.
ومعرفة الله لمن أبصر سبيلها ، واستدل دليلها ، فأقرب قريب يرى علانية جهارا ، أو يستدل عليه بدليل من دلائله اعتبارا ، فالحمد لله الذي قرّب إلى معرفته واليقين به السبيل ، وأقام فيها وعليها برحمته الآيات والدليل ، فسبيلها من الله سهل يسير ، ودليلهما (٢) والحمد لله فظاهر منير ، ينطق بهما البكم (٣) الخرس ، في كل ما تدركه فكرة أو حس ، من كبائر الخلق وصغائره ، وعوالن (٤) الصنع وسرائره ، فلا يتعنت (٥) في أوصاف ذلك واصف ولا متعنت ، (٦) ولا يلتفت إلى شيء منه كله ملتفت ، إلا رأى منه عيانا بعينه ، أو سمع منه سماعا بإذنه ، أو ذاق منه ذوقا بفمه ، أو لمس منه لمسا بجسمه ، أو شم منه شما بأنفه ، ما يدل على تغيّره وتصرفه ، وعلى أنه مصنوع في نفسه ، لدرك المدرك له بحسه. إذ كل محسوس يحس ، من الجن كان أو من الإنس ، فمركّب لا بد مجموع ، وكل مركب فهو لا محالة مصنوع ، وصانعه ومدبره ومركّبه فغيره ، إذ (٧) وضح صنعه وتركيبه وتدبيره ، وما سوى الإنس والجان ، من كل موات أو حيوان ، (٨) فقد يدرك أيضا بحاسة من الحواس الخمس ، وما يدرك بمباشرة الفكر له من كل نفس ،
__________________
(١) في (أ) و (ج) : والتقى.
(٢) في (أ) : ودليلها.
(٣) في (أ) : بها. وفي (أ) و (ج) : إليكم. مصحفة.
(٤) في (ب) و (د) : وعوالي. مصحفة.
(٥) في (ب) و (د) : ينعت. مصحفة.
(٦) في (ب) و (د) : ولا يسغب. مصحفة.
(٧) في (ب) : إذا.
(٨) في (ب) و (د) : وحيوان.