فكيف أنكر وتحيّر؟ وأبى مكابرة عن أن يقر؟ بما يرى من الصنع والتدبير ، في أكثر ما يراه أحد من الصنع الكبير ، (١) الذي لا خفاء فيه من القدرة والتدبير ، والصنعة البينة والتأثير المنير ، مما تقصر (٢) عنه الأفكار ، وتنحسر (٣) فيه الأبصار ، من الأرض والسماء ، وما بينهما من الأشياء ، التي يدل اضطرار دركها ، على من يدبرها ويملكها ، وعلى أن من صنعها وأنشأها ، إنما فطرها وابتداها ، فابتدعها صنعا ، وخلقها بدعا ، يدل على ذلك فيبينه ، (٤) ويوضح ذلك فينيّره ، (٥) ما يرى من كثرة ذلك وسعة أقداره ، وما يعاين من بعد ما بين أطرافه وأقطاره ، مع ما فيه من لطيف التقدير والإحكام ، وماله من طول البقاء والإقامة والدوام ، فكل صنعه ولطيف (٦) تدبيره وتقديره وإحكامه ، وما ذكرنا من بقائه وإمساكه وإقامته ودوامه ، دليل بيّن على صانعه ومحكمه ، وممكسه بحيث هو ومديمه ، وذلك الله العزيز الحكيم ، والمتقن لما يشاء والممسك المديم ، كما قال سبحانه : (* إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً)(٤١) [فاطر : ٤١] ، فكل ذلك فقد جعله الله بحلمه (٧) ومغفرته قدرا مقدورا ، ولا يكون القدر وهو القدر المقدور ، (٨) إلا وهو لا بد لربنا (٩) صنع وخلق مفطور ، ولا يجحد ذلك أبدا ولا ينكره ، إلا من عمي قلبه وفكره.
فاسمع يا بني : ـ هداك الله ـ لما بيّن في ذلك برحمته لما خلقه الله من الآيات الجليات ، والدلائل المضيّات ، ففي أقل استماعه ، وفهمه عن الله واتباعه ، ما أغنى من
__________________
(١) في (أ) و (ج) : الكثير.
(٢) في (ب) : ما قصر.
(٣) في (ب) : وتتحيّر.
(٤) في (أ) : ويبينه.
(٥) في (أ) : وينيره.
(٦) سقط من (أ) و (ج) : ولطيف.
(٧) في (ب) و (د) : بحكمه. تصحيف. بدلالة الآية قبلها.
(٨) في (ب) و (د) : القدرة والمقدور.
(٩) سقط من (ب) : لا بد لربنا. ومن (د) : لربنا.