قادرا ، لم يكن محالا متى أراد هذا خلق شيء ، أن يمنعه الآخر من خلقه لذلك الشيء بعينه ، ولو منعه صاحبه من ذلك ، كان الممنوع عاجزا ، ودلّك عجزه على حدثه! وإن تمانعا ، وتكافأت قواهما ، وقع الفساد ، ولم يتم لواحد منهما خلق شيء ، ودخل على كل واحد منهما العجز ، إذ لم يقدر كل واحد منهما على مراده. فلما وجدنا العالم منتظما ، متّسق التدبير ، دلنا على (١) أن صانع ذلك ليس باثنين ، ولا فوق ذلك.
قال الملحد : ما أنكرت أن يتّفقا ، ويصطلحا؟
قال القاسم عليهالسلام : إن الاتفاق والاصطلاح يدلان على حدث من تعمدهما ، لأنهما لا يتفقان إلّا عن ضرورة ، والمضطر فمحدث لا محالة.
قال الملحد : إنهم يقولون : إن صانع الخير لا يأتي بالشر أبدا ، وكذلك صانع الشر لا يأتي بالخير أبدا (٢).
قال القاسم عليهالسلام : إن هذا مكابرة العقول.
قال الملحد : وكيف ذلك؟
قال القاسم عليهالسلام : لأن ذلك يدعو إلى القول بأن أحدا لم يذنب قط ، ثم اعتذر من ذنبه (٣) ؛ وإلى القول بأن إنسانا واحدا لم يصدق ولم يكذب ، ولم يضل ولم يهتد (٤) ، ألا ترى أنهم (٥) يزعمون أن انتحالهم حق ، وأنه واجب على الناس الرجوع إلى مذهبهم ، فإن كان الشيء الواحد لا يأتي بالخير والشر ، فحدثني من يدعون إلى مذهبهم؟ فإن قالوا : الخير. قيل : فإن الخير لا يضل أبدا. وإن قالوا : الشر. فالشر لا
__________________
(١) في (ب) و (د) : واتسق تدبيره. وسقط من (أ) و (ب) و (ج) و (د) : على.
(٢) الشر قسمان : الأول شر ليس من صنع الله وهو الفساد والمعاصي وما شابهها. والثاني من الله وهو شر في تصور الإنسان وخير في الواقع وذلك مثل : الجدب والمرض والفقر وما شابه ، وهو المقصود هنا.
(٣) أي : تاب وصلح بعد فساده.
(٤) في (ه) : لم يصدق ويكذب ولم يضل ويهتد.
(٥) أي : الثنوية أصحاب الظلمة والنور.