قيل لكم : فإلى أيهما فر ونزع؟!
فإن قالوا : إلى أكثرهما نورا ، وأقلهما من المزاج شرورا.
قيل : لئن كان من الشر إلى الخير صار بفراره ، لقد أدركه الشر منهما في مقره وقراره ، وإن ذلك لما لا ينمي (١) أبدا ، ولا يكون حيث كان إلا ضدا.
ثم يقال لهم : هل الظلمة مضادة للنور؟
فإن قالوا نعم.
قيل : أبمثل ما يعقل من تضاد الأمور؟
فإن قالوا : نعم.
قيل : إن الضد لا يجامع أبدا ضدا ، إلا أفناه فكان له عند المجامعة مفسدا ، ولا تكون المضادّة من الشيئين واقعة ، إلا لم تجمعها بعد تضادهما جامعة ، إلا مع بطلان موجود (٢) أعيانهما ، أو تبدّلهما باجتماعهما عن معهود شأنهما ، كبطلان الثلج والنار عند اعتلاجهما ، أو كتبدل اللونين أو الطعمين في امتزاجهما.
فكيف يصح لما زعموا من الأصلين الاجتماع؟! أو يوجد منهما بعد المزاج إضرار (٣) أو انتفاع؟! وهما لا يكونان إلا متنافرين ، أو مزاجا فيكونا متغيرين ، كتغير الممتزجات عند مزاجها (٤) إلى فعال واحد ، يجده منها بدرك الحواس أو بعضها كل واحد.
لا كما قال (ماني) المكابر لدرك حسه ، المخالف فيما قال ليقين نفسه ، المتلعب (٥) في مذهبه ، السفيه بمتلعّبه.
__________________
(١) لا ينمي : أي : لا ينجي ، والنامي : الناجي. قال التغلبي :
وما فيه كان السم فيها |
|
وليس سليمها أبدا بنامي |
لسان العرب مادة نمي.
(٢) في (ب) : وجود.
(٣) في (ب) : أو إضرار وانتفاع. وفي (د) : اضطرار أو انتفاع.
(٤) في (أ) : مزاجهما.
(٥) في (ب) : المتغلب في مذهبه السفيه بمتغلبه ، وهو تصحيف.