وفي سوسها (١) وكونها أوجد ، ثم يديم الناظر إليها نظره ، فلا يعشيه ولا يحرق بصره! فأي دليل أدل على تلعبهم ، وأوضح برهانا على سفه مذهبهم؟! من هذا عند من ذاق من المعارف ذوقا ، وعقل بين مفترقات الأشياء فروقا!!.
وأخرى يا هؤلاء فافهموها ، تدل فيها على غير الأوهام التي توهموها ، أن الشديد الرمد يجد في الظلمة راحة وفترة ، وأنه يجد في النور عند مقاربته له مضرة منكرة ، فلا نرى الظلمة إلا تفعل خيرا ، ولا النور إلا يفعل شرا كبيرا (٢).
وهذا فقد يبين أيضا بوجه آخر ، يدل على خلاف ما قالوا في الخير والشر.
وهو أن يقال لهم في الماء ، إذ زعموا أنه مزاج من النور والظلماء : ما بال قليله ينفع وكثيره يضر؟!
فإن قالوا من قبل أن المزاج يقل ويكثر.
قيل : فما بال كثير نوره ، في الكثير من بحوره ، لا يمنع ضر كثير ظلمته ، كما منع قليل نفعه قليل مضرته؟!
أم تزعمون أن قليل النور أقوى من كثيره ، فهذا من القول هو المحال بعينه ، أن يكون قليل من شيء هو أقوى من كثير ، كان منيرا أو غير منير!
ومما ـ أيضا ـ يدخل عليهم ، أن يقال إن شاء الله لهم : حدثونا يا هؤلاء عن الثور (٣) ما باله يفر عن الحر إذا أحرقه إلى البرد والضّلال ، ويفر من البرد إذا آذاه إلى الصّلاء (٤) والنار ، وهما في زعمكم جميعا ظلمة مضرة ، ليس لأحد فيهما منفعة ولا مسرّة! ولن يخلو عندكم أن يكونا من سوسه فينفعاه ، أو مما زعمتم من خلافه فيضراه؟!
فإن قلتم بما فيهما من مزاج النور انتفع؟
__________________
(١) أي : أساسها.
(٢) في (ب) و (د) : كثيرا.
(٣) في (ب) و (د) : النور. ولعلها مصحفة.
(٤) الصّلاء : الشواء.