بعد إثبات أصلين إلى إثبات أصول ، ويحكموا على غائب لا يرى ، بحكم لا يتيقن ولا يمترى ، يتبين به عند أنفسهم قصرة (١) عماهم ، ويصح لهم بله (٢) غيرهم فيه خطاهم.
ثم يقال لهم أيضا : حدثونا عن نور الشمس ، وما يباشر أبصار المبصرين منه عند شروقه باللمس ، أليس نافعا (٣) في نفسه ، وعند مباشرة لمسه؟!
فإن قالوا : بلى ، وكلما تلألأ ؛ لأنه يتلألأ فيشرق وينير ، وكذا الأمر به كل نور إما قليل وإما كثير.
قيل : فما باله يعشي أبصار الناظرين ويؤذيها؟! وما بال بعض الحيوان لا تبصر مع ضوء الشمس وتلاليها؟! (٤)
فإن قالوا : لعلة (٥) أن النور إذا أشرق على ناظر الانسان ، وغيره مما يبصر (٦) مع ضوء الشمس من الحيوان ، رد مع شروقه ما في النواظر ، من الظلمة إلى الناظر ، فلم ير فيه ، ولم يطق النظر إليه.
قيل : فالظلمة في قولهم تستر ، فكيف مع مكانها في الناظر تبصر ، وقد ترى الأبصار ، إذا أشرقت الأنوار ، تبصر حينئذ الأشياء ، وترى الظلمة والضياء ، فلو كانت الظلمة لها سترة ، لما أبصرت ما ترونها له مبصرة.
فإن قالوا : الحرارة هي التي فعلت ذلك بالأبصار ؛ لأن النور من شأنه دفعها إلى ما هي فيه من محجر القرار.
قيل : فالحرارة عندكم يا هؤلاء من شأنها الإحراق ، وقد يرى الناظر يديم النظر إلى شروق الشمس فلا يحرق ناظره الإشراق! وقد يزعمون أن الحرارة في الظلمة أوكد ،
__________________
ـ دعوى المانوية في نسبة الشر إلى الظلام والخير إلى النور.
(١) القصر : اختلاط الظلام.
(٢) بله : ناهيك عن ، أو فضلا عنه.
(٣) في (أ) و (ج) : نافع.
(٤) أي : تلألؤها. وإنما حذف الهمز لتوافق السجعة أو الفصلة السابقة. وهي لغة حجازية.
(٥) في (ب) : العلة.
(٦) في (ب) : لا يبصر.