يكن بينهما فيما خلا من دهرهما امتزاج ، سفها من القول وتعبثا (١) ، ومجانة في السفه وخبثا ، فثبت بينهما شبه الاستواء ، وحكم عليها حكم السواء ، في حالين يجمعانهما عنده معا ، وفعالين يتساويان فيهما جميعا ، فقال في أولاهما لم يمتزجا ، ثم قال في أخراهما امتزجا ، فجمعهما ـ عنده في الامتزاج وخلافه ـ الحالان ، واشتراكهما فيما كان من إساءة وإحسان ، وليس في أنهما هما الأصلان ، دليل واضح به يثبتان ، أكثر من تحكّم العماة في الدعوى ، والاعتساف منهم (٢) فيهما للعشوى ، وما ذا يرون قولهم ، لو عارضهم مبطل في الدعوى كهم (٣).
فقال : بل النور والظلمة مزاجان ، ومن ورائهما فلهما أصلان ، هل يوجد من ذلك لهم ، إلا ما يوجد لمن خالفهم؟!
فإن قالوا : الدليل على ذلك نفع النور ، فربما ضرنا النور في أكثر حوادث الأمور ، ولما يوجد من نفع قليل غيره ، أنفع مما يوجد من أكثر كثيره ، لتمرة أنفع في الغذاء لأكلها ، من الأنوار في الغذاء كلها ، ولئن كانت الدلالة من الدال على المنكر ضرا ، يعود عندهم شرا ، إن النور لأدل على طلبات الأشرار ، وأكشف لهم عن خفيات ما يبغون من الأسرار ، التي عنها تجلى نورهم ، وبه كثرت في الضر شرورهم.
وإن كان دليل عماة الظّلمة ، على ما بينوه أصلا في (٤) الظلمة ، ضر الظلمة في بعض أمورها ، لربما منعت كثيرا من الشرور بستورها ، فلم يجد لمنعها بسواتر ظلامها ، الأئمة سبيلا إلى تناول آثامها ، ولسنا نجد عيانا نورهم من المضارّ معرّى ، ولا ظلامهم في جميع الأحوال مضرا ، (٥) إلا أن يكون نورهم عندهم غير النور المعقول ، فيصيروا
__________________
(١) في جميع المخطوطات : وتعنتنا. وما أثبت اجتهاد.
(٢) في (ب) : فيهم.
(٣) في (ب) و (د) : لهم.
(٤) في (ب) : من الظلمة ضرا الظلمة. وفي (د) : ضرا للظلمة.
(٥) قال أحد الشعراء مقتدا دعوى المانوية في أن النفع وإلى في النور والضر والشر في الظلمة. وكم لظلام الليل عندي من يد تفيد بأن المانوية تكذب يقول : إن للظلام عندي أباد مشكورة فقد نفعني وأوصل إلى الخير حينما جن تسترني مع معشوقي ولولاه لما تمكنت من لقائه ، وهذا النفع من الظلام يكذب ـ