يقول له صلى الله عليه ، في ذلك من غير ما سخطة منه عليه ولا لوم فيه (١) : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦)) [المائدة : ١١٦] ، فسبح الله جل جلاله إكبارا له عن أن يقول في ذلك على الله علّام ما كان وما يكون بقول إفك مفتر مكذوب ، لا يصح فيه أبدا قول في فطرة ، ولا يقوم في سليم عقل ولا فكرة.
وقال صلى الله عليه : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧)) [المائدة : ١١٧] ، فأنبأهم صلى الله عليه أنه عبد الله (٢) كما هم كلهم جميعا عبيد ، (٣) وأخبر الله سبحانه من قوله في ذلك بما لا تنكره النصارى كلها وإن اختلفت في أديانها ، وفرّقتها البلدان في كل مفترق من أوطانها ، لما رأوا منه عيانا ، وأيقنه من غاب منهم إيقانا ، من عبادته عليهالسلام لله واجتهاده في طاعة الله ، وكان في ما عاينوا (٤) من مشابهته لهم في الخلقة دليل مبين على أنه عبد الله ، يجري عليه من حكم الله في أنه عبد لله ما جرى عليهم ، بما (٥) بان من أثر تدبير الله وصنعه فيه وفيهم.
وفيما قلنا من ذلك ومثله ، في أن (٦) الفرع من الشيء له ما لأصله ، ما يقول الله سبحانه لرسوله ، صلى الله عليه وعلى آله : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١)) [الزخرف : ٧٤]. يخبر جل جلاله عن أنه قد يجب للولد ما يجب
__________________
(١) في المخطوطات : عليه فيه ولا لوم. ولعل الصواب ما أثبت.
(٢) في (أ) و (د) : عبد له كما هم جميعا عبيده.
(٣) في (أ) و (د) و (ج) : عبيده. والتصحيح من نسخة أشار إليها المستشرق الألماني.
(٤) في (ج) : ما عاينوه.
(٥) في (ج) : يجري. وفي (د) : مما.
(٦) في (د) : وأن الفرع.