أب وابن وروح قدس.
قالوا : فالأب غير مولود ، والابن فابن وولد مولود ، وروح القدس فلا والد ولا مولود، وكل واحد من الثلاثة بما قلنا فموجود.
وقالوا : إن هذه الأشخاص الثلاثة لم تزل جميعا معا ، لم يسبق بعضها في الوجود بعضا ، وإن ما ذكروا (١) من الأب والروح والولد ، لم يزالوا كلهم في اللاهوت وملك واحد ، ليس بين الثلاثة كلها تفاوت في الإلهية ، ولا في قدم ولا قدرة ولا ملك ولا مشيّة ، وإن الثلاثة كلها واحد في الطبيعة والذات ، (٢) وإن هذا الواحد في الطبيعة ثلاثة في الأشخاص المفترقات ، (٣) وذلك كالشمس ، فيما يدرك منها بالحس ، التي هي شمس واحدة في كمالها وذاتها ، وثلاثة متغايرة في حالها وصفاتها ، كل واحد منها غير الآخر في شخصه وصفته ، وإن كان هو هو في ذاته وطبيعته.
فمن ذلك زعموا أن الشمس في عينها كالأب ، وضوءها فيها كالابن ، وحرّها منها كالروح ، ثم هي بعد وإن كانت لها هذه العدة ، فشمس لا يشك فيها أحد واحدة ، لأن الشمس إن فارقها ضوءها لم تدع شمسا ، وكذلك إن فارقها حرّها لم تدع أيضا شمسا ، وإنما تسمى شمسا وتدعا ، إذا كان هذا كله فيها مجتمعا.
وكذلك الانسان فإنه وإن كان في الانسانية واحدا ، فإنا قد نراه وترونه أشياء كثيرة عددا ، منها نفسه وجسده ، وحياته ومنطقه ، فجسده غير نفسانيته ، ومنطقه غير حياته ، لأنه ليس يقدر أحد أن يزعم أن الحياة هي المنطق ، ولا أنهما جميعا واحد متفق ، لأن كثيرا من الأحياء لا يتكلم ولا ينطق.
قالوا : ولسنا نريد بالمنطق القول الذي يسمع سماعا ، ولكنا نريد الفكر الذي جعله الله في الانسان غريزة وطباعا ، فطرة (٤) خاصة في الانسان ، لا في غيره من الحيوان ،
__________________
(١) في (ج) : ما ذكرنا. وفي (د) : ما ذكر.
(٢) سقط من (د) و (ج) و (د) : والذات.
(٣) في (ج) و (د) : المفترقة.
(٤) في (ج) و (د) : وفطرة.