الأرض ملكوتك وحكمك) (١).
فهل يتوهم أحد أنه أب من الآباء يلد وينسل ويتغير ويتغذى؟! أو يصل إليه صلب أو نصب أو أذى؟! لا بحمد الله وكلا! وتبارك ربنا عن ذلك وتعالى! ولكنه أرحم بنا وألطف ، وأعطف علينا وأرأف ، من الآباء كلهم والأمهات ، ومن أنفسنا فيما يهمنا من المهمات.
وقد ذكر عن بعض الحكماء ، ممن مضى من أوائل القدماء ، أنه كان إذا أخذ في التسبيح لله والذكر ، قال : الله الذي هو في ذاته محب للبشر. وإنما يراد بالمحبة لهم ، الرأفة والرحمة بهم.
وكذلك قال الرحمن الكريم : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) [البقرة : ١٤٣]. فمن أرأف بهم وأرحم؟! وأعطف عليهم وأكرم؟! ممن خلقهم مبتدئا فسوّاهم؟! وأعطاهم من نعمه ما أعطاهم؟! ثم دلّهم تعالى على الهدى ، (٢) وبيّن لهم الغيّ والردى. لا من بحمد الله وفضله! فنستمتع (٣) الله بالنعم في ذلك كله.
ومما يحتج به على من كفر منهم بربه جهلا ومجانة ، (٤) قول المسيح بن مريم لهم فيما زعموا من إنجيلهم أبانه (٥) : (أنا ابنه وهو أبي) (٦) وقوله : (جئتكم من عند أبي ، وما سمعت عنده فهو ما أكلمكم به ، وأنتم لو كنتم منه لقبلتم ما جئتكم به من أمره ، ولكنكم من الشيطان وأنتم بنوه ، ولذلك قبلتم قوله فلم تخالفوه ، وإنما أنتم بنو الخطيئة والشيطان أبوها ، وأنتم صاغرون لطاعتكم له فبنوها. فقالوا : نحن بنو إبراهيم ، ورموه
__________________
(١) نص الإنجيل هكذا : فقولوا أبانا الذي في السماء ليتقدس اسمك ، ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض. إنجيل لوقا ١١ / ٣٢. وإنجيل متى ٦ / ١٢٩.
(٢) في (أ) : دلهم بعد ذلك على. وفي (د) : دلهم على.
(٣) أي : نسأله أن يمتعنا بالنعم.
(٤) المجانة : المجون.
(٥) سقط من (ج) : أبانه.
(٦) نص الإنجيل هكذا : فالذي قدسه الأب وأرسله إلى العالم ، أتقولون له إنك تجدف لأني قلت إني ابن الله. يوحنا ١٠ / ٣٦.