فمن ذلك ما هم عليه وغيرهم مجمعون ، لا يختلفون فيه كلهم ولا يتنازعون ، من أن ملائكة الله ، ومن مضى من رسل الله ، لم يسبّح المسيح قط ولم يعبده ، (١) ولم يزعم أحد منهم أن الله ولده.
ومن تأويل ما ذكروا من الولد والابن ، في زمن المسيح وكل زمن ، أن الناس لم يزالوا يدعون ابنا وولدا من تبنوا وأحبوا وحظي عندهم ، وإن لم يكن على طريق التناسل ولدهم ، ثم لم يزل ذلك لديهم معروفا ، قديما وحديثا ، ولا سيما في القدماء ، من أهل العلم والحكماء ، فكان الحكيم منهم يقول : يا بني لمن علّمه ، ويدعو المتعلم باسم الأبوة معلّمه ، فيقول : قد قلت وقلنا يا أبانا ، وربما قال أحدهم : يا أبت أما ترانا.
قال بعضهم :
آباء أرواحنا الذين هم هم |
|
أخرجونا من منزل التلف |
من علّم العلم كان خير أب |
|
ذاك أبو الروح لا أبو النطف (٢) |
وذلك والحمد لله في الأمم كلها فأوجد موجود ، يقوله الرحيم منهم لمن ليس بابن له مولود (٣).
ومن ذلك ما كان يقول المسيح صلى الله عليه ، كثيرا لا تنكره النصارى لحوارييه : (إذ هبوا بنا إلى أبينا ، وقولوا : يا أبانا أنزل من سمائك طعامك علينا) (٤). ومن ذلك قوله لهم ، صلى الله عليه وعليهم : (قولوا : يا أبانا تقدس اسمك ، لتنزل في
__________________
(١) في (ب) و (ج) : لم يسبحوا المسيح. قط ولم يعبدوه.
(٢) لم أقف على البيتين فيما لدي من مصادر الأدب.
(٣) نص الإنجيل هكذا : وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله ، أي المؤمنون باسمه. يوحنا. ١ / ١٣١٢. ومما يؤكد معنى الأبوة بالمعنى الذي قاله الإمام قول يسوع عليهالسلام. قال يسوع : ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم. وإلهي وإلهكم. يوحنا. ٢٠ / ١٧.
(٤) نص الإنجيل هكذا : لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض ، خبزنا كفافنا أعطنا كل يوم. إنجيل لوقا ١١ / ٣٢. وإنجيل متى ٦ / ١٢٩.