طاعة الله ورضاه.
فأما ما ذكرت من هذا كله فهو يعطيكموه ويعطيه ، من لا يرضى عليه ، فلا تشتغلوا بغد وما بعده من شغله ، فحسب غد أن يقوم بشغل أهله ، وكفى يومكم في غده ، بما في غد من كده.
ألا ولا تعسفوا أحدا بظلم فإنكم كما تدينون تدانون ، والمكيال الذي تكيلون به تكتالون ، فما بال أحدكم يرى القذى في عين أخيه؟! ولا يرى السارية الشامخة في عينيه! أم كيف يقول لأخيه : اتركني أنزع من عينك قذاها! والسارية الشامخة التي في عينيه لا يراها!
أيا مخادعا ملقا ، ومخاتلا لغيره مسترقا ، أخرج السارية أولا من عينيك ، ثم التمس بعد إخراجها من عين غيرك.
ألا واسمعوا مني ، وافهموا ما أقول عني : لا ترموا بقدس الصواب ، بين نوابح الكلاب ، ولا تقذفوا بلؤلؤكم المنير ، بين عانات (١) الخنازير ، فلعلهن أن يدنسنه ، وينتن ما ألقيتم بينهن منه ، ألا واسألوا تعطوا ، وابتغوا تجدوا ، واقرعوا يفتح لكم فكل سائل يعطى ، ومبتغ يجد ما ابتغى ، وكل من استفتح يفتح له ، وأي امرؤ منكم يسأله حبيبه أو ابنه برّا أو خيرا؟ فيعطيه مكان ما سأله من ذلك حجرا! أو يسأله سمكة؟ فيعطيه حية مهلكة! فإن كنتم وأنتم أنتم في النقص والتقصير ، ومنكم كل ظالم وشرير ، تعطون العطايا الصالحة أبناءكم ، وتجيبون عند الدعاء والمسألة أحباءكم ، فكم ترون لله في ذلك؟! وإذ الأمر كذلك ، من الزيادة عليكم فيه ، للذي تسألونه وترغبون إليه.
وانظروا كما تحبون أن يفعله الناس بكم فافعلوه إليهم ، وكما تريدون العدل من الناس عليكم فكذلك فاعدلوا عليهم ، وإن تلك سنة الرسل والأنبياء ، وميزان عدل الله في الأشياء ، ألا وادخلوا لله وفي الله باب الضيق والمخاوف ، فإن باب الأمن والسعة بمعصية الله سبب الهلكة والمتالف ، ولكثير ممن يدخله ويؤثره ، ممن يبصر ذلك ومن لا يبصره ، وما أضيق المدخل والباب! وأغفل السبيل والأسباب! التي تبلّغ العباد الحياة ،
__________________
(١) العانة : الأتان ، والقطيع من حمر الوحش.