فيكم مظلما لا يبصر ولا يعلم ، فكم (١) ترون ظلمة حواسكم وقلوبكم أعمى وأظلم.
واعلموا أن الله لم يجعل لأحد في جوفه من قلبين ، وأنه لا يستطيع أحد منكم أن يعبد ربين ، لأنه لا بد له من أن يكرم أحدهما ويجله ، فيقصر بالآخر عن الكرامة ويغفله ، أو يهين أحدهما ويحقره ، فيجل الآخر ويكبره.
وكذلك لا تستطيعون أن تعبدوا الله وتعزروه ، وتسعوا للمال فتجمعوه وتكثروه ، ومن أجل ذلك فإني أقول لكم : لا تهتموا بما تأكلون ، ولا بما تشربون ، ولا ما تلبسون ، أليس ما خلق الله لكم من الجوارح والأجسام؟! أكرم وأجل وأكبر من الشراب والطعام! أو ليس ما خلق الله لكم من الأنفس؟! آثر عند الله من الثياب والملبس!
انظروا إلى طير الأرض والسماء ، وما خلق الله من دواب الماء ، التي لا يزرعن زرعا ولا يحصدنه ، ولا يدخرنه في الأهواء ولا يحشدنه ، والله ربكم الذي في السماء ، يرزقهن في كل يوم ما يصلحهن من الغذاء.
وانظروا إلى عشب البرية الذي لم ينسج ولم يغزل ، ولم يعن منه بشيء ولم يعتمل ، كيف يلبسه الله في حينه كل لون زينة تبهجه! أو حسنا أو نورا ، (٢) فأنا أقول لكم إن سليمان بن داود في كل ما كان فيه من ملكه وسلطانه ، ما كان يقدر على أن يلبس لونا واحدا مما ألبسه الله العشب من ألوانه ، فإن كان العشب في حين تنويره ذا بهجة ونور ، فعما قليل وبعد يسير ما يجعل وقودا للتنور.
ثم الله تبارك وتعالى اسمه يلبسه من البهجة والنور ما لم يلتمسه فيكم ، فكم ينبغي لكم يا ناقضي الأمانة ألا تهتموا فتشتغلوا ولا تكثروا من القول لأنفسكم ولا لغيركم؟! فتقولوا ما نأكل وما نشرب؟! وما نلبس وأين نذهب؟! كأنكم بما قلت من هذا لا توقنون ، فكل هذه الشعوب التي ترون ، تبتغي ذلك ولا تبتغوا منه ما يبتغون ، فإن ربكم الذي في السماء يعلم ما ينبغي لكم من قبل أن تسألوه إياه ، ولكن ابتغوا
__________________
(١) في (أ) و (ب) و (د) : فيكم. وفي (ج) : فبكم ، ولم يظهر لها معنى ويبدو أن الصواب ما أثبت ، سيما ونص الإنجيل هكذا (فإن كان النور الذي فيك ظلاما فالظلام كم يكون) والله أعلم.
(٢) لعل هنا سقطا.