صدقتكم لله فيما بينكم وبين الله خفية وسرا ، فإن الله ربكم الذي يرى سركم هو يجعلها لكم علانية جهرا ، وإذا كنتم في صلاة لله أو خشوع ، فلا تقوموا بذلك في السكك والجموع ، كالمرائين للناس بما هم فيه لذلك من حالهم ، فحقا أقول لكم لقد توفّى أولئك جزاء أعمالهم.
وإذا صليتم فلا ترفعوا أصواتكم ودعاءكم طلبا للرياء ، فإن الله يعلم قبل أن تسألوه ما تحتاجون إليه من الأشياء ، ولكن إن صليتم فلله وحده فصلوا ، وإذا حكمتم في أرضه بحكم فاعدلوا ، وقولوا ربنا الذي في السماء تقدس اسمك وحكمتك ، وعظم ملكك وجبروتك ، أظهر حكمك في أرضك كما أظهرته في سمائك ، وارزقنا طعام فاقة يومنا ، واغفر لنا سالف جرمنا ، كما نغفر لمن ظلمنا ، واعف عنا برحمتك وإن أجرمنا ، ولا تبتلنا ربنا بالبلاء ، وخلّصنا من مكاره الأسواء ، فإن لك الملك والقدرة ، ومنك الحكم والمغفرة ، أبد الآبدين ، ودهر الداهرين.
واعلموا أنكم إن غفرتم للناس ما بينهم وبينكم ، فإن الله سبحانه يغفر لكم ، وإذا صمتم فلا تغيروا وجوهكم ، ليعلم الناس صومكم ، ولكن إذا صمتم فاغسلوا وجوهكم وادهنوا رءوسكم ، لكيما (١) لا يعلم الناس صومكم ، فإن الله الذي صمتم له سرا ، هو يجزيكم بصومكم علانية جهرا.
ألا ولا تخزنوا خزائنكم ، ولا تجعلوا في الأرض ذخائركم ، فإن ما في الأرض يفسده السوس وتأكله الأرضة ، وتعرض له الآفات وتناله السرقة ، ولكن اخزنوا خزائنكم ، واجعلوا ذخائركم في السماوات العلى ، حيث لا يفسد منها شيء ولا يبلى ، بسرقة ولا آفة معترضة ، ولا يناله أكل سوس ولا أرضة ، فحقا أقول لكم : أن حيث تكون خزائنكم وذخائركم ، فهنالك (٢) تكون قلوبكم وضمائركم.
واعلموا أن سراج الجسد العين فإن كانت العين نيرة مضيئة كان الجسد نيرا مضيا ، وإن كانت العين عمية مظلمة كان الجسد مظلما عميا ، وإذا كان النور الذي
__________________
(١) في (أ) : لكي لا.
(٢) في (أ) و (ب) و (د) : هنالك.