بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله الذي لا تدركه الأبصار ، ولا تحيط به الأقطار ، الذي لم تهجم (١) عليه العقول بفكرها ، ولا الفكر بمحالها (٢) ولا الألباب بتدبيرها ، الذي لم ينفصل من المخلوقين فيكون منهم بعيدا ، ولم يتصل بهم فيكون لهم مخالطا.
إن سأل سائل ذو حيرة (٣) عن قول الله عزوجل : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر : ٤]. وتوهم أن الله تبارك وتعالى ارتفع في مكان دون الأماكن!! وعاب من قال : إن الله بكل مكان ، وقال : أيصعد من الله إلى الله!! إذ (٤) قال إنه في السماء وفي الأرض.
فجوابنا في ذلك أن الله تبارك وتعالى في الأماكن كلها ، مدبر لها حافظ قائم عليها ، لم تحوه ولم تحط به ، ولا نقول يصعد منه إليه ، فنصفه بالغاية والتحديد ، وأنه سبحانه في مكان دون مكان ، ولكنّا نقول : إن الله تبارك وتعالى خلق ملائكته ، وتعبدهم بما شاء ، فكلف بعضهم نقلة (٥) الأخبار من السماء إلى الأرض ، ونقلة الأخبار من الأرض إلى السماء ، وأنه خلق السماء فأسكنها ملائكته لعبادته (٦) بعضهم ينسخ أعمال الآدميين ، ووكل بعضهم رقيبا وحافظا على الملائكة التي وكّلت بنسخ أعمال الآدميين ، وكذلك قالت الملائكة صلوات الله عليهم (٧) : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤)) [الصافات : ١٦٤]. أي : ما وكّلوا به من صنوف التعبد ، وقوله : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر : ٤]. معناه في الآية الأخرى ، مثل قول إبراهيم الخليل عليهالسلام : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ)(٩٩)
__________________
(١) في (ب) : لا. ولم تهجم أي : لم تنته إليه. قال أمير المؤمنين : هجم بهم العلم على حقائق الأمور ، فباشروا روح اليقين.
(٢) في (ب) و (د) : بمجالها. والمحال : الشدة والكيد والتدبير.
(٣) في (ب) : خبرة (مصحفة).
(٤) في (ب) : أن.
(٥) الاسم من الانتقال.
(٦) سقط من (أ) : لعبادته.
(٧) في (أ) و (ج) : عليها.