فهذا دليل على أن الله أراد بقوله : (من قبل أن نطمس وجوها) أي : مللا.
وقال آخر :
أضحت وجوههم شتّى فكلهم |
|
لوجهته فضلا على الملل (١) |
وقال عباس (٢) بن مرداس السلمي :
أكليب ما لك كل يوم ظالما |
|
والظلم أنكد وجهه ملعون |
وقال الله عزوجل : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) [البقرة : ١١٢]. أي من أخلص دينه لله (٣) فجعل للدين وجها.
وقال الشاعر :
وأسلمت وجهي لمن أسلمت |
|
لأرض تحمل صخرا ثقالا |
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له |
|
المزن تحمل عذبا زلالا (٤) |
وفي ذلك دليل على أنه أراد بالوجه الدين ، وقال الله سبحانه : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) [الروم : ٤٣ ، ٣٠]. ولم يرد الوجه دون القلب وسائر الأبعاض ، وإنما تأويل أقم وجهك ، أي : أقم نفسك للدين ، وتأويل أقم نفسك للدين إنما هو : بالدين ، وقال الله سبحانه : (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ) [آل عمران : ٧٢]. يعني : صدر النهار. وقال
__________________
(١) لم أقف عليه.
(٢) عباس بن مرداس بن أبي عامر السلمي من مضر ، شاعر فارس ، من سادات قومه ، أدرك الجاهلية والإسلام ، وأسلم قبيل فتح مكة ، وكان من المؤلفة قلوبهم مات في خلافة عمر سنة ١٨ ه ، جمع الدكتور يحيى الحبوري ما بقي من شعره في ديوان مطبوع. والبيت مطلع قصيدة مكونة من سبعة أبيات انظر ديوانه.
(٣) أخرج ابن جرير عن مجاهد (من أسلم وجهه لله) قال : أخلص دينه. الدر المنثور ١ / ٢٦٣.
(٤) البيتان لزيد بن عمرو بن نفيل. أبو سعيد أحد العشرة. أنظر المعارف لابن قتيبة / ٥٩ ، والأغاني للأصفهاني ٣ / ١٧ ، وتفسير ابن جرير الطبري ١ / ٣٩٣ ، وإيثار الحق على الخلق / ٥٣.