شرسة من أعداء الإسلام فتناول الزنادقة الحديث بالإفساد والوضع لإفساد العقيدة وزعزعة المسلمين عن دينهم ، لأنه يضرب الأساس الثاني من التشريع فلا يستقر للمسلمين أمر ، وكيف يطمئنون لدين أسسه غير موثوق بها؟!
وإذا قد تجرأ المجوس والملاحدة على حرب الإسلام ليس في مجال الأدب فقط كما فعل صالح بن عبد القدوس وألف كتابا يسمى (الشكوك) ، ولكن تطرق حربهم إلى علوم الدين ، واعتمدوا في أحيان كثيرة أسلوب التقية والمراوغة ، وكذلك اتخذوا من سياسة الدولة شركا للإيقاع بالمسلمين في براثن الزندقة.
وهكذا عني المسلمون في هذا العصر ، بالزندقة والزنادقة ، وكان أغلب الزنادقة والملحدين من غير العرب لتأثرهم بثقافاتهم السابقة على الإسلام ، وبيئاتهم التي نشئوا فيها وتربوا عليها.
ولذلك نقول إن رد المسلمين على الزنادقة والملاحدة أمر طبيعي وقد سجلت كتب الفهارس وغيرها أسماء لامعة في هذا المجال كأمثال واصل بن عطاء (في الرد على المانوية) ، وأبي علي الجبائي في (الرد على أهل النجوم) ، (والمشبهة) ، أما أبو الهذيل العلاف فقد ألّف عشرات الكتب في الرد على المخالفين ، ومحمد بن شجاع الثلجي المعتزلي المتوفي سنة (٢٦٦ ه) (في الرد على المشبهة).
كما رد المتكلمون على أصحاب الأديان الأخرى كاليهود والنصارى ، فنجد لأبي على الجبائي كتابا في الرد على اليهود والنصارى.
ومن هنا تتجلى أهمية كتاب الإمام القاسم بن إبراهيم في الرد على الزنادقة والملحدين والفلاسفة ، في ثقافة المواجهة والرد على الآخر ، ومحاورته دفاعا عن الدين ، وإيضاحا لحجج المخالفين ، وتحقيقا لمبدإ الجهاد في سبيل الله علميا ، وهو أحد مهام علم أصول الدين.
وهكذا نجد رسالة الإمام القاسم في الدفاع عن الدين في مواجهة المخالفين ، اعتمد فيها على المنهج الفكري الإسلامي القائم على الكتاب والسنة ، وصريح العقل بعيدا عن المنهج الفلسفي اليوناني ، مع علمه به ، وآمن بأن صحيح المنقول لا يتعارض مع صريح المعقول إن سلمت العقول من التشويش والخلط ، وسلمت النوايا في الاستقبال والفهم.