جديدة ، وهي صاحب الزنادقة يتعقبهم في كل مكان.
ويذكر الطبري أن الأمر في العصر العباسي الأول لم يكن هينا ، فقد ظهرت كتب الإلحاد والزندقة من مانوية وديصانية ومرقونية ، وظهرت أسماء لامعة ومعروفة من أصحاب هذه المؤلفات كحماد عجرد ، ويحيى بن زياد ، وابن المقفع ، ويعزي للمهدي أيضا بأنه أول من أمر المتكلمين بالرد على الملاحدة والزنادقة ، إذا لم يقتصر جهد المهدي على إنشاء إدارة للبحث عن الزنادقة ومحاكمتهم ، بل أضاف إلى ذلك هيئة علمية لمناظرتهم والتأليف والرد عليهم.
وحقيقة الأمر إن طبيعة العصر وانفتاح المسلمين على غيرهم من الأمم اجتماعيا وثقافيا وكذلك اقتصاديا ، قد أدى لدخول الناس في دين الله أفواجا ، واختلفت مقاصد المسلمين الجدد بين صادق في إيمانه ومدع فيه ، وجاء خطأ الجميع في النظر والفهم ، ليصب تيارا عاتيا من الأفكار التي تأثر بها الإسلام تأثرا شديدا عقيدة وفكرا وتطبيقا ، ولذلك كان من الطبيعي أن يظهر المتكلمون الكبار لمواجهة هذه التيارات العاتية الطارئة على الدين.
وقد شط بشعراء العصر العباسي ، وكثير منهم غير عرب ، الهوى والمجون ، فقد تزندقوا من غير إلحاد ، وتناولوا الدين وفرائضه في شعرهم.
ولكن الحق يملي علينا القول بأن المجون غلب الشعراء ، ولم يقصد أكثرهم الإلحاد والكفر ، وإن كانت تبدأ بالاستخفاف بالدين في ليالي المجون وحول موائد الخمر وتنتهي بخلع رداء الدين والخروج منه!
أما الزندقة بمفهومها الخاص ، فقد ظهر في العصر العباسي مؤمنون في الظاهر كفار في الباطن ، فطرق الزنادقة باب الدين والأدب والعلم والفلسفة لينفثوا سمومهم ، فعملوا بشكل جماعي وفردي ، ولذلك صعب القضاء عليهم تماما ، وتعددت الأغراض من إيمان المجوس والمانوية ، فآمن بعضهم لغرض دنيوي ولتحصيل الغنى ، وآمن آخرون لإفساد العقيدة من الداخل ، كطابور خامس ، بعد عجزهم عن حربها في الميادين العسكرية والمواجهة والقتال.
وبدا واضحا أثر المواجهة الثقافية في مجال الحديث النبوي ، والذي تعرض لهجمات