الله (١) ، ومن زعم أن محمدا رأى ربه ، وفي هذا انتقاض الخبر ، وإذا تناقض الشيء لم يكن بحجة ، وأولاهما بحجة العقل أشبههما بكتاب الله.
ويقال لهم جميعا : أخبرونا إذ زعمتم أن النبي صلى الله عليه حين رأى ربه ، هل كان يقدر عقل النبي على (٢) صفة ما رأى؟!
فإن قالوا : نعم.
قيل : فكان يقدر أن يخيل ما عاين؟!
فإن قالوا : نعم جوزوا القدرة على صفة الله وإحاطته والتفكير فيه ، والله عزوجل يقول: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [طه : ١١٠].
وإن قالوا : لا يقدر على تخييله بقلبه.
قيل لهم : فكيف يدرك ما لا يتخيل ولا يحيط به العقل؟! ، وهذا محال بيّن ؛ لأن الإدراك أكثر من التخيل ، وإذا بطل التخيل لم يصح الإدراك.
ويقال لهم : أخبرونا إذا جوّزتم أن يكون النبي صلى الله عليه رآه ، فما يشعركم لعله أسرّ إلى بعض أصحابه صفة تحديد ، فورّث ذلك الصاحب علم التحديد من بعده
__________________
(١) أخرج البخاري عن مسروق ، قال : قلت لعائشة رضي الله عنها يا أمتاه هل رأى محمد صلىاللهعليهوسلم ربه؟ فقال : لقد قف شعري مما قلت : أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب ، الحديث بطوله ٨ / ٤٩٢ مع شرح الفتح.
وأخرج مسلم عن مسروق قال : كنت متكئا عند عائشة فقالت : يا أبا عائشة ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية ، قلت ما هن؟ قالت : من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ، وقال : وكنت متكئا فجلست فقلت : يا أم المؤمنين ، أنظريني ولا تعجلي ، ألم يقل الله عزوجل : (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) ، (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى). فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فقال : إنما هو جبريل ، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين ، رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض ، فقالت : أولم تسمع أن الله يقول : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ...). صحيح مسلم ٣ / ٨ بشرح النووي.
(٢) سقط من (ب) : على.