فإن ادعا حجة من الكتاب سئل؟
فإن قال : قلت : يقول الله : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [الأعراف: ١٧٩].
يقال له : إنا لم (١) نسألك عما أجبت ، وإنما سألناك عن قولك : خلق الله أكثر خلقه ليعبدوا غيره ، فمن زعم أن الله خلق أكثر خلقه للكفر والمعصية ، فلا يجد إلى ذلك سبيلا. مع أن لقوله : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ). تأويل عدل الله ، وإنما ذرأ لجهنم من عصاه ، وابتغى غير سبيله ، فجعلهم ذرو جهنم ، جزاء بما كانوا يكسبون ، ويعملون.
ثم يسأل عن قوله سبحانه : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)) [الذاريات : ٥٦]؟ فإن زعم أن ذلك خاص في المؤمنين! سئل عن الحجة في ذلك والدليل على ما قال؟ ثم يعارض ، فيقال له : إذا زعمت أن ذلك خاص ، ثم زعمتم أن قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف : ١٥٨]. فإن كان خاصا إلى المؤمنين ، والمؤمنون قد آمنوا ، فما معنى قوله : آمنوا ، وقد آمنوا؟! فلا يجدون وجه الآية أبدا (٢) إلا قول الحق خاصا في المؤمنين ، دون الكافرين ، ولا يجدون فرقا في ذلك.
ثم يسألون فيقال : أخبرونا عن إبليس ، خلقه الله ليعبده؟ أو ليعبد من دونه؟ ..
فإن قالوا : خلقه ليعبده. تركوا قولهم. وإن قالوا : ليعبد من دون الله ، زعموا أنه أول من أشرك بنفسه ، إذ جعل إبليس ليعبد من دونه ويشركه في عبادته ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ثم يقال لهم : إن زعمتم أن الله خلق خلقه كفارا ، وأمرهم بالإيمان ، أفليس قد أمرهم أن ينتقلوا من خلقهم ، وأن يصيروا إلى خلاف ما خلقهم عليه؟!
فإن قالوا : نعم. قيل لهم : فلم لا يجوز أن يخلقهم سودا ويأمرهم أن يصيروا بيضا ، كما خلقهم كفارا ، وأمرهم بالإيمان؟! فلا بد من إجازة ذلك ، أو يتركوا قولهم.
__________________
(١) في (أ) : لا نسألك.
(٢) في (ب) و (د) : الآية إذا.