وأنا مخبرك بتأويل الآية : قال بعض أهل العلم : إن معنى قوله : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [الأعراف : ١٧٩]. يريد الإعادة ولم يرد ابتدأهم لجهنم. ألا ترى أنهم كانوا في الدنيا يتمتعون ويأكلون!
ولكن لما علم تبارك وتعالى ، أن أكثر عاقبة هذا الخلق يصيرون إلى جهنم بكفرهم ، جاز على سعة الكلام ومجاز اللغة : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ). وإن كان إنما خلقهم في الابتداء لعبادته ، وذلك جائز في اللغة. وقد قال نظير ما قلنا في كتابه في موسى ، عليهالسلام ، قال : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨]. وإن كانوا إنما التقطوه ليكون لهم قرة عين ، وهكذا (١) حكى الله عن امرأة فرعون ، إذ قالت : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) [القصص : ٩]. ومثل قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠)) [النساء : ١٠]. لما كان عاقبة أمرهم إلى ذلك ، وإن كانوا لا يأكلون في الدنيا إلا الأخبصة ، (٢) والفالوذجات ، والأطعمة الطيبة.
وقد قال الشاعر ما يدل على ما قلنا من ذلك :
أموالنا لذوي الميراث نجمعها |
|
ودورنا لخراب الدهر نبنيها |
وللمنايا تربي كل مرضعة |
|
وللحتوف برى الأرواح باريها (٣) |
والوجه الثاني قال فيه بعض العلماء : إن معنى قوله : (ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ) : خلقنا ، ومعنى خلقنا : على أن سنخلق ، وليس على قد خلقناكم في الابتداء لجهنم ، وإنما أراد
__________________
(١) في (ج) : وهذا.
(٢) في (ب) و (د) : وإن كانوا يأكلون الأخبصة. وفي (أ) و (ج) : وإن كانوا لا يأكلون في الدنيا إلا خبيصة. وما أثبتّ ملفق من الجميع. والله أعلم بالصواب. والخبيصة : الحلوى المخبوصة. والفالوذج : يقال فيه : فالوذ ، وفالوذق. ولا يقال فالوذج ، قاله الجوهري. فارسي معرب. وهو نوع من الحلوي مصنوع من لب الحنطة.
(٣) البيتان من قصيدة للإمام علي عليهالسلام. ديوان الإمام قافية الهاء.