ثم توجه لولده ، الذي كتب هذه الرسالة إرشادا له ، في مناظرة الملحدين والزنادقة والفلاسفة الدهريين ، ناصحا له بالتمسك بالتقوى والعمل الصالح ، حتى ينال لطف الله وهداياته التي تعينه على قضية الإيمان والعمل بمقتضياتها ، فكما أن الفرق يلحق الليل والنهار ، والظلمات والنور ، والعالم والجاهل ، والمهتدي والكافر المعاند ، كذلك يلحق من علم فعمل بما علم ، ومن علم فعصى واستكبر ، وهو أمر لا يتحقق إلا بالتقوى وموالاة المؤمنين أهل الطاعة والخشية.
ويستدل على صدق المؤمن بفعله ما أمر به ، ويخرج من ذلك لبيان أن القبح والحسن عقليان ، وأن أرباب الحكمة مأمورون شرعا بالإيمان والإقرار بمعرفة الله بعد النظر والاستدلال عقلا ، وبيان حال وهيئة وصفة من جهل الصانع : (أما رأيت العامة لما هي فيه من الجهل بالله الأعلى ، إذ جهلت ما قلنا مما كثر الله على معرفته الأدلاء ، كيف قلّت بحقائق الأمور علومها ، وضلت بعد جهلها بمعرفته حلومها ، فقالت في دينها بكل قول متناقض مذموم ..). فمن جهل الله تعالى تخبط في الأوهام الباطلة ، والتصورات الخرافية المحيرة.
أما معصية إبليس فقد كانت منه ، ولو أطاع وتاب لقبل الله منه توبته وطاعته ، ثم تطرق الإمام القاسم لصفات المؤمن ، وحقيقة الإيمان ، وصفات أهل الجنة وصفات أهل النار.
وعند هذه النقطة الفاصلة تناول الإمام القاسم المرجئة بالنقد ، وتعرض لمفهوم الإيمان عندهم : (وزعم أن الله لا يعذب من أقرّ به وبرسله وكتبه بلسانه ، وإن ارتكب كل كبيرة من كبائر عصيانه) ، وأنه لا تضر مع الإيمان معصية ولا تنفع مع الكفر طاعة! .. وبين أهمية العمل بالنسبة للإيمان ، وهو ما اتفق عليه جمهور المسلمين.
وتناول مفهوم الحق والباطل ، وأقسامهما والولاء والبراء ، وأثر تصور المجبرة للعدل الإلهي في إلحاق كل نقيصة بخالقهم ، وينتهي إلى أن من كفر وعاند الحقيقة والفطرة والبراهين والاستدلالات العقلية ، خسر نفسه ولم يربحها وعاند نفسه لا غيره ، حتى إن فرعون نفسه لم يكن كافرا بحقيقة الإلهية ، ولم يناد على نفسه بها على وجه الحقيقة ، إذ ليس في مخلوق ، مهما كان شأنه ، جرأة على فعل مثل هذا ، إلا أنه قال لقومه أنه إلههم ، أي سيدهم وحسب .. ولم يتجاسر على ما يعتقده بعض الناس من أنه نادى على نفسه