وقد عرّفنا الله عليه بالتوفيق منه لنا والهداية واللطف. وبيّن أنه منزه عن كل تجسيم أو تشبيه ، ورد على الحشوية والمشبهة والمجسمة في تصوراتهم للإلهية الساذجة ..
وإذا كان هناك من الفلاسفة من أنكر وجود الله والبعث والنشور ، فإن من المسلمين من تشوش مفهومه للعدل الإلهي ، وهو مرتبط ارتباطا وثيقا بقضية التوحيد ، وكما احتاج الأمر في التوحيد إلى تنزيه الخالق من تصورات وأوهام باطلة لا تليق إلا بما يدرك أو يتصور من الأجسام والأعراض والأكوان ، فإن الإلهية أيضا تحتاج إلى البراءة من مثل هذه الأوهام في العدل ، وقضية العدل عند الإمام القاسم ترتكز على حكمة الله وعدله ، وما يليق بحكمه في خلقه.
فالله عزوجل الذي أنزل الحق والميزان ، ليكون الحكم بين الناس بالعدل والقسط أحق بهذا التصور ، وبكل كمال من خلقه ، وهو يمتدح بكمالات ما يمتدح به خلقه ، ولا يتصور أن يكون خلقه عدولا وهو غير عادل ، كما لا يتصور أن يكون الحق والعدل والواجب والخير بمفهومين مختلفين بين الله وخلقه كما يقول البعض ، أو أن يظلم عباده ولا يكون ظلمه لهم ظلما .. وهذا تصور لا يليق بالله ، مع أن بعض المسلمين أجاز مثل هذا التصور الموهوم المرفوض في كل العقول على الله ، حيث قالوا بأن ما يقبح من الخلق لا يقبح من الله ، وما هو ظلم في حق العباد ليس ظلما في فعل الله وأمره!
وبصدد الأصل الثالث من أصول الزيدية ، بيّن الإمام القاسم أن الله لا يخلف وعدا أو وعيدا : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)) [الزلزلة : ٧ ـ ٨] ، وأنه تعالى لا يخلف الميعاد. وهذا الأصل جاء في مواجهة تصور آخر غريب على الإسلام يقول بأن الله أن يدخل العصاة والكفار الجنة ، والمؤمنين النار ، أو يخرج الأولين ويدخلهم الجنة ، كل ذلك بلا جناية من المطيعين أو طاعة من المسيئين! .. في كلام باطل ، وتصور قبيح لا يليق بذات المخلوقين ، فضلا عن ذات الخالق!
ثم عاد ثانية فتحدث عن قضية الجبر والاختيار في حق الخلق ، وأثبت أن الإنسان مخير حر في أفعاله ، وهو أصل من أصول التكليف من غيره ، يبطل ويصير الوحي والنبوات والرسالة والأوامر والنواهي ... باطلة لا معنى لها.