وقال لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) [الكهف : ٢٨]. فقد أمره الله سبحانه أن لا يتولى أصحاب الدنيا ، ويصبر على الذين يريدون الآخرة ، فلم نر من صاحبكم إلا طلب الدنيا ، مجتهدا للمكاثرة ، وإن كان وصفتم من الأشياء ما ليس فيه!
وزعمتم أنه يرى أفاعيل العباد وأعمالهم ، وهو شاهد عليهم ، وليس فيه الذي وصفتم بأنه يرى أفاعيل العباد! فإن كان يرى أفاعيلكم فليس له أن يتولاكم ، ولا يأخذ منكم شيئا من عرض الدنيا ، وإن كان لا يرى منكم ما وصفتم فيه فقد كفرتم وعبدتموه من دون الله ، وهل هذه إلا صفة رب العالمين؟! أيرى ما غاب عنه ، ويسمع من غير أن يسمع ، وأن يعلم ما في قلوبكم من غير أن يخبر؟! فتعالى الله رب العالمين ، عما يقولون علوا كبيرا ، ما أعظم افتراءكم على الله إذ شاركتم في فعله أحدا من خلقه ، وكيف يكون ذلك كما زعمتم؟! وهو يقول : (عالِمُ الْغَيْبِ) ثم قال : (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (٢٧)) [الجن : ٢٦ ـ ٢٧]. يعني سبحانه : بالوحي. لقوله : (يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (١). فقد أخبر بأن لا يعلم الغيب إلا الله (٢) ومن ارتضى من رسول ، يوحي إليه بخبر ما يريد ، فإذا مضى رسول الله انقطع الخبر والوحي ، وحجب عن الخلق أمر الوحي ، وعلم الحادثات سوى علم ما جاءت به الأنبياء ، وبعلم الأنبياء يشهدون ، فكيف يعلم أحد الغيب من غير وحي الله جل جلاله؟ عن أن يحويه قول أو يناله.
فإن زعمتم أن في الأرض اليوم من يوحى إليه ، فقد زعمتم أنه نبي ، لأنه لا يكون الوحي إلا إلى النبي ، وإنما سمي نبيئا لأنه نبأ عن الله ، فمن أنبأ عن الله فهو نبي ، فويلكم متى آمنتم بالله وقد كذبتم كتاب الله؟! لقوله : (خاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب : ٤٠].
__________________
(١) سقط من (أ) و (ج) : يعني سبحانه : بالوحي. لقوله : (يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً).
وأضاف في (ب) و (د) : بعد قوله (رصدا) الأولى ، الوحي.
(٢) سقط من (أ) و (ج) : الله. وفي نسخة بدل (الله) ، كلمة (هو). أشار إليها في (ب) و (د).