فكيف يسع حجة الله ، إذ كان حجة على ما وصفتم أن يستغل الألوف ، ويأخذ خمس أموالكم ، ويوكّل في كل بلاد لقبض الأموال ، ولا يفرّج على أحد من خلق الله ، ولا يقسمها في الفقراء والمساكين؟! فلم ير منه صفة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ قال الله سبحانه : (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) [الأحزاب : ٤٣]. (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [التوبة : ١٢٨]. ولم ير منه صفة المؤمنين من أصحاب النبي عليهالسلام إذ قال الله فيهم : (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) [الفتح : ٢٩]. (وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [الحشر : ٤] (١).
فلا يرى فيه أن يفرج على أحد من فقراء المؤمنين إن ظلم أو قتل ، ولم ير فيه النّصب حربا لأعداء الله ، ولا يسير فيما يسخط الأعداء ، ولم ير قط (٢) إلا طلب أخذ الأموال من غير أن يقسمها في المستضعفين! فكيف يسعنا أن نقول فيه : هو حجة ، وليس يرى فيه صفة الحجج؟!
وأما قولكم : إنه يعلم ما نفعل ، ويعلم ما بسرائرنا ، ونحن نرى فيكم شرّاب الخمور ، ونرى فيكم الزنا واللواط ، وأخذ أموال الناس ، وظلم العباد ، والتقاطع والجفاء ، والمسير بغير ما أمر الله والقتل! وزعمتم بأنه يعلم منكم هذه الخصال ، إذ زعمتم أنه يرى أفاعيل العباد ، وهو يتولاكم على هذه الخصال ، التي فيكم ، فإن كان يتولاكم على هذا فليس من الله في شيء ، لقول الله تبارك وتعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [هود : ١١٣]. وقوله : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩)) [النجم : ٢٩]. وقوله : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة : ٢٢]. وقال تبارك وتعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التوبة : ٧٣ ، التحريم : ٩].
__________________
(١) دمج آيتين على أنها آية للتشابه بينهما وآية الحشر هكذا : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ). وهي في جميع المخطوطات. ولعلها سهو من النساخ.
(٢) سقط من (ب) و (د) : قط.