والبر والبحر. ليس يعني : أنه سميع بصير بجوارح أو بشيء سواه ، فيكون محدودا ، أو يكون معه غيره موجودا ، تعالى الله عن ذلك.
وأما قوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨]. وقوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) [الرحمن : ٢٧]. فإنما يعني : إياه لا غيره. يقول : كل شيء هالك إلا هو. وقوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) ليس يعني بذلك : وجها في جسد ، ولا جسدا إذا وجه ، تعالى الله عن هذه الصفات ، التي هي في المخلوقين موجودات.
وأما قوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [آل عمران : ٣٠ ، ٢٨]. يريد : يحذركم الله إياه لا غيره. وقوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) [المائدة : ١١٦]. يريد : تعلم أنت ما أعلم ولا أعلم أنا ما تعلم إلا ما علمتني. ليس يعني : أن له نفسا غيره بها يقوم. تعالى عن ذلك. وقد يقول القائل : هذا نفس الحق ، ونفس الطريق ، وكذلك : هذا وجه الكلام ، ووجه الحق ، يريدون بذلك كله : هو الحق ، وهذا هو الكلام ، وهذا هو الطريق. ليس يذهبون إلى شيء غير ذلك. فتعالى الله عن صفات المخلوقين علوا كبيرا ، هو الذي لا كفؤ له ولا نظير له ، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى : ١١].
فكل من وصف الله جل ثناؤه بهيئات خلقه ، أو شبهه بشيء من صنعه ، أو توهمه صورة أو جسما ، أو شبحا ، (١) أو أنه في مكان دون مكان ، أو أن الأقطار تحويه ، أو أن الحجب تستره ، أو أن الأبصار تدركه ، أو (٢) أنه لم يخلق كلامه وكتبه ، والقرآن وغيره من كلامه وأحكامه ، أو أنه كشيء مما خلق ، أو أن شيئا من خلقه يدركه ، مما كان أو يكون ، بجارحة أو حاسة ، فقد نفاه وكفر به وأشرك به. فافهموا ذلك ، وفقنا الله وإياكم لإصابة الحق ، وبلوغ الصدق.
__________________
(١) الشبح : الشخص.
(٢) في (أ) و (ج) : وأنه.