جالسا ، صلى مضطجعا أو مستقبلا ، فإن لم يقدر على ذلك بشيء من جوارحه فلا شيء عليه. فعل ذلك رحمة ونعمة ونظرا لعباده.
ومن لم يكن له مال فلا زكاة عليه ، وإن كان ذا مال ـ فحال (١) عليه الحول ـ وهو مائتا درهم فعليه خمسة دراهم ، فإن نقص من مائتي درهم شيء ، (٢) قلّ أو كثر فلا شيء عليه فيها ، وكل أمر لا يستطيقه العبد فهو عنه موضوع ، وكلّف مما يستطيع اليسير. يريد لله جل ثناؤه بذلك التخفيف عن (٣) عباده تصديقا لقوله : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (٢٨)) [النساء : ٢٨]. وقال جل ثناؤه : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج : ٧٨]. يقول : من ضيق.
وقال تبارك وتعالى : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) [الأنعام : ١٦٤]. فلم يؤت أحد من قبل الله تبارك وتعالى في دينه ، وإنما يؤتى العبد من نفسه بسوء نظره ، وإيثار هواه وشهوته ، ومن قبل الشيطان عدوه ، يوسوس في صدره ويزين له سوء عمله ، ويتبعه فيضله ويرديه ، ويهديه إلى عذاب السعير.
وقال الله جل ثناؤه يحذر عباده الشيطان : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) [الأعراف : ٢٣]. وقال تبارك وتعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) [البقرة : ٢٦٥]. وقال سبحانه : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦)) [فاطر : ٦]. أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
وعلى العبد أن يعلم أنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الكريم الحليم ، وأن الله جل ثناؤه عالم ما العباد عاملون ، وإلى ما هم صائرون ، وأنه أحاط بكل شيء علما ، وأحصى كل شيء عددا ، وأنه لم يجبر أحدا على معصية ، ولم يحل بين أحد وبين الطاعة ، فالعباد العاملون والله جل ثناؤه العالم بأعمالهم ، والحافظ لأفعالهم ، والمحصي لأسرارهم وآثارهم ، وهو بما يعملون خبير.
__________________
(١) في (ب) و (د) : وحال.
(٢) في المخطوطات : شيئا. لعلها مصحفة.
(٣) في المخطوطات : من. ولعلها كما أثبت.