كان على المعصية الكبيرة مقيما فهو على طريق النار. فكيف يرجو البلوغ إلى الجنة ، وهو يسلك ذلك الطريق. كرجل توجه إلى طريق خراسان فسلكه وهو يقول أنا أرجو أن أبلغ الشام ، وهو على طريق خراسان. وذلك ما لا يكون إلا أن يتحول (١) طريق الشام. فهذا مثل من وضع الرجاء في غير موضعه.
فإن اعتل معتل بقول الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨ ، ١١٦]. فأطمع من فعل فعالا دون الشرك من الكبائر في المغفرة بهذه الآية.
قيل له : إن الله عزوجل قد قال في موضع آخر من كتابه ، لنبيه صلوات الله عليه وآله : (* قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣)) [الزمر : ٥٣]. ففي هذه الآية إطماع لجميع المؤمنين والمشركين وغيرهم ، وليست تلك الآية بأوضح في الغفران (٢) من هذه الآية ، فيطمع للمشركين فيها.
فإن قال قائل لا أطمع (٣) للمشركين لإجماع المسلمين ، بطل الاعتلال بالآية. وقيل له : إن الأمة لم تجمع إلا من قبل خبر الله. وكذلك أثبتنا نحن وعيد الله على الفاسقين من قبل خبر الله بقوله : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤)) [النساء : ١٤]. ونحو ذلك من الآيات. فكل من مات على معاصي الله مصرا غير تائب إلى الله ، فهو من أهل وعيد الله وعقابه.
ومعنى قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) أنه يغفر للمجتنبين الصغير ، (٤) إذ أخرج الكبير من أن يكون مغفورا بقوله : (ما
__________________
(١) في (ب) : إلا يتحول طرق.
(٢) في (ب) و (د) : في القرآن.
(٣) في (ب) : فإن قال قائل لا أطمع لهم فيها بآية أخرى قيل له كذلك لا أطمع ولأهل الكبائر ، كما لا يطمع الذين كفروا في آية أخرى. فإن قال لا أطمع للمشركين. وكذلك في (د) : إلا أنه قال للذين أشركوا الآية أخرى. والظاهر أن الزيادة زيادة سهو.
(٤) في (ب) : للمجتنبين الكبائر وهو أيضا دون الشرك وإن كان صغيرا ، فوقع الاستثناء على ذلك الغير.