نورانيته المحسوسة في فهمه واعتقاده!
كما أنه يملك الكون ، وفي الوقت نفسه معه آخر يملك ويحكم ، ينقض أحكامه ، بل له أحكام قاهرة عليه ..! وكل ذلك غاية التناقض والفساد.
ثم وصف ابن المقفع إله النور بالعظمة ، وهي تلك التي اضطرت أعداءه لتعظيمه واحترامه ، وفي أثناء ذلك لا يفرق بين العامي والعمي ، مما يجعل الإمام القاسم ينتقصه ويصفه بالجهل وعدم معرفة الفروق اللغوية بين الألفاظ ، إذ دلالة العامي غير العمي!
ويقف الإمام القاسم عند دلالة التسبيح والتقديس عند الثنوية ، والفرق بينهما وبين المقصود منها في الدين الإسلامي ، فعندهم ألفاظ جوفاء ، يقول الإمام القاسم : نقول في الله الملك القدوس ، كما قال ، إذ كان كل شيء فبتقديسه نال من قدس البركة ما نال.
ومسبّح فقد نقولها ، إذ نجدها له ونعقلها ، من كل ما هو سواه مفطورا ، ظلمة كان ذلك أو نورا ..
ويرد زعم ابن المقفع بعد ذلك تمييزه بين الأشياء من حيث كونها محمودة أو مذمومة ، فقال : «وإن منها» ، وهو اقتطاع لا تقبله العقول ، ثم إن التفاضل يقع في محمود الأمور ومذمومها ، مما يجعل الأمور لا تبقى خيّرة بصفة دائمة ، أو شريرة كذلك بصفة دائمة ، وربما انقلب النور شرا ، أو الظلام خيرا ، حسب طبيعة الظروف والأحوال.
ويفضح تناقضه في كون بعض الناس يرجون من الظلمة ـ التي قال فيها أنها شر ـ الخير ، فيقول له : من الذي رجا منها الخير ، أهو النور أم أعوانه ، أم اتباع الظلمة على ما فيهم من شر!
وهو من قبيل الجدل اللازم لقضية ودعوى الخصم. والذي انتهى به إلى القول بأن ابن المقفع تخبط بين إلهين ، ووصفهما بأوصاف مقلوبة ومغلوطة تدل على تشوشه الذهني ، ويعلق مفسرا ذلك بقوله : «وليس علته فيما أحسب من ضلاله ، ولا علة من تبعه عليه من جهاله ، إلا قلّة علمهم بما شرع الله به دينه ونزّل به كتابه من الحكمة ؛ لا عن شبهة دخلت عليه ـ ولا عليهم ـ فيما وصفوا من النور والظلمة».