منهما المتغايرة ، ويسخر من هذا التناقض ، إذ أنهما امتزجا ، وهما اللذان ما عرفا هذا الامتزاج من قبل على حد قول الثنوية!
فكيف رضي ممثل الخير ، الذي هو الأصل في وجود الأشياء ، وقبل الشر ممثل دولة الشيطان في ملكوته ، وكيف التقى النور بالظلام ولم؟!
كما ينقد مقالتهم بأن النور خير ، وهو لا يلزم والعقل يشهد بغير ذلك ، وكذلك قولهم بأن الظلام شر خالص ، فلا النور خير خالص ، ولا الظلام شر خالص ، وكلاهما يحمل صفات الخير والشر ، ولا حكم لأحدهما على الآخر ، ولا حكم لهما على المخلوقين ، وهما مخلوقان ككل المخلوقات تنفعل وتتأثر كما ينفعل كل مخلوق ويتأثر ، ومنهما علل للأشياء ومعلولات ، ويحكمهما قانون الحركة وناموس الخالق في إدارة الكون والحياة.
وما يحدث للإنسان من حياة وموت ، وصحة ومرض ، وفرح وحزن ، ليس من شأن النور أو الظلام أبدا ، وهي أفعال للإنسان نفسه خلقها الله فيه خالق كل شيء ، كما أن الله جعل في الشمس الحرارة والضياء ، وفي الماء الحياة والغرق.
وقد ورث ابن المقفع معتقدات ماني ، بحكم البيئة التي ولد فيها ، وآمن بها ودافع عنها ، وورث حقده على الإسلام ودولته التي قهرت بلاده وكسرت شوكة الكهنة وكسرت الأصنام ، ولم يعد لماني وجود إلا في نفوس الحقدة على الإسلام الغالب آن ذاك.
ووضع ابن المقفع كتابا في نصرة العقائد الثنوية ، يدعو فيها المسلمين إلى الإيمان بها ، وزاد على ذلك أن وضع لأتباع ماني خطة في تضليل الضعفة والعامة وأصحاب الأهواء من المسلمين عن عقيدة التوحيد!
وكلام ابن المقفع في جملته عبارة عن هرطقات وطقوس وطلاسم ، تليق بهذيان الكهان في معابدهم تستهوي الجهال وتستميل أصحاب الأهواء ، وترضي نفوس الأتباع في ظل الأبخرة المتصاعدة ، والأضواء المتناثرة من أرجاء المعابد ، وخلف الصور التي يقدسونها.
فالله رحمن رحيم ، وعلى الرغم من ذلك يلومه على خلق الشر في العالم متمثلا في الشيطان ، وهو متعال وفي الوقت نفسه هو في المباول والقذرات والأوحال بحكم