وإذا كانت الصدامات الحضارية قد أخذت أعلى منحنى لها في العصر العباسي مع المجوسية والمانوية وغيرها في الشرق ، ثم هدأت تماما ، فلم نجد كتبا ولا مؤلفات بعد ذلك ترد على عقائدهم ، إيمانا من غلبة التوحيد وأنصاره عليهم ، إلا أن أعداء الإسلام لم يؤمنوا أبدا بهذا السلام ، وما حدث ويحدث بين المسلمين والهندوس والسيخ في شبه القارة الهندية يدل على ذلك ، وأحداث كشمير التي تعد بؤرة للصراع الحقيقي بين المسلمين ، وهذه العقائد تمثل أصدق تمثيل حقيقة الصدام الحضاري بين الإسلام كثقافة وحضارة وعقيدة ، وغيره من ثقافات الشرق الأقصى.
وكذلك صدام المسلمين الحضاري مع عبدة بوذا وماني في شبه القارة الصينية ، وعدم قدرتهم على التعبير عن أنفسهم أو المشاركة في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية للصين ، فضلا عن هضم الكثير من حقوقهم ، وتجاهل جماعات حقوق الإنسان في الغرب لوضع المسلمين هناك ، كل ذلك يشهد بأن الصراع لم يمت بين التوحيد والاثنينية ، وبين من يشعلون النار في المعابد تحت أقدام تمثال بوذا وماني وأصحاب العقيدة الخالدة.
لقد ظل الإنسان في التاريخ يعبد الله ويوحده ما دامت هدايات السماء تترى وتتابع عليه ، إلا في زمن الفترات التي انقطع فيها الوحي ، وغابت عنه الرسل ، ضل وعبد الأصنام والأوثان ، واخترع دينا أرضيا يرضاه ويشبع هواه وقناعاته الشخصية.
ولذلك تتمثل إشكالية العقيدة الثنوية وغيرها من العقائد الشرقية في عبادتهم لآلهة أرضية أو حتى سماوية محسوسة ملموسة متعددة ، أما التوحيد والصمدية وتقديس الذات عن مشابهة المخلوقين فقد غاب عنهم ، أو لنقل غابوا عنه.
فإله واحد للخير والشر والنور والظلام ، خلق الإنسان والملائكة والشياطين ، لا يقبل الهدايا والرشا والفساد ، لم يدركوه.
وينقد الإمام القاسم تقسيم الثنوية في عقائدهم الأشياء إلى قسمين ، نور وظلمة ، خير وشر ، أرض وسماء ، ملائكة وشياطين.
وكل مخلوق نتج عن مزاج النور والظلمة وتزاوجهما ، رغم أن كلا منهما يمثل اتجاها وهو في نفسه إله ، ورغم عداوة كل منهما للآخر ، وأنهما متنافران لطبيعة كل