فأجابوه فلم يقنع بجوابهم ، ولم يستمع لمقالهم.
وكان مما أجبته به في مسألته ، وما كان فيها من مقالته ، أن قلت : أخبرني يا هذا إذ(١) أنكرت محمدا وما جاء به من رسالاته ، أليس قد زعمت أن ما كان معه من آيات الله ودلالاته ، (٢) وما كان يري الناس من الأعاجيب ، وينبئهم به من السر والغيب ، ليس كله من الله ، ولا شيء منه بصنع الله ، وأضفت ذلك كله إلى غير الله؟!
فقال : بلى. لا شك ولا امتراء.
فقلت : أفلا ترى أنك (٣) لو أنكرت أن تكون السماء والأرض من الله ولله خلقا صنعا (٤) ، مفتطرا بدعا ، كنت بإنكار (٥) ذلك لله منكرا ، وإن كنت بالله عند نفسك مقرا!! فكان في هذا الجواب ـ بحمد الله ـ ما حجّه وقطعه ، وكفاه في الاحتجاج عليه وكفه عن التشنيع ومنعه ، ولم يتكلم بعده ـ علمت ـ في مسألته بكلمة واحدة ، وأمسك في مسألته عن الاكثار والشّغب والملادة (٦).
ومن الدلائل (٧) على ما ذكرنا ، وقلنا به في ذلك وفسّرنا ، قول الله سبحانه : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢)) [الإسراء : ١٠١ ـ ١٠٢]. يقول صلى الله عليه : لقد علمت ما افتطر وجعل ، وخلق وأنزل ، ما جئتك به من الآيات والدلالات ، إلا من خلق وجعل وافتطر الأرضين والسماوات. فلما أزال فرعون صنعهن وخلقهن عن الله ونسبهن إلى السحر ، ازداد بذلك شركا
__________________
(١) في (أ) و (ج) : إن. وفي (د) : إذا.
(٢) في (أ) و (ج) : ودلالته.
(٣) سقط من (أ) : أنك.
(٤) في (ب) و (د) : ولله صنعا خلقا.
(٥) في (ب) و (د) : وكنت لله بإنكار ذلك منكرا.
(٦) الملادة : اللجاجة والمجادلة.
(٧) في (ب) و (د) : الدليل.