الله بالأشياء كلها ، من أواخر الأشياء وأوائلها ، ما يقول سبحانه : (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) [فصلت : ٥٤]. (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠)) [البروج : ٢٠]. والمحيط من الأشياء بما يحيط به ، فهو المحفّ المحدق بجميعه ، المدير بكل ناحية من نواحيه ، من جوانبه كلها ومن خلفه ومن بين يديه ، ولا يتوهم إحاطة الله ـ تعالى ذكره ـ بالأشياء كذلك ، والعرش والكرسي وحمله والإحفاف به فمثل ذلك ، ولا يتوهم (١) كما يعاين ويرى ، من أمور أهل هذه الدنيا ، وإنما إحاطة الله بالأشياء قدرته عليها ، (٢) وسلطانه جل ثناؤه فيها ، لا يتوهم ذلك من الله العزيز الخلاق ، كما تعرف به الأشياء من الإحفاف والإحداق ، الذي يكون من الأشياء ، ويرى من أهل هذه الدنيا ، تقدس الله وتعالى ، عن (٣) أن يكون شيء له مثالا.
وكذلك قوله سبحانه : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٤] ، (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) [الأعراف : ١٤٣] ، (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)) [الفجر : ٢٢]. فلا يتوهم في ذلك كلامه ، من قرّر في قلبه توحيده وإعظامه ، ككلام (٤) الإنسان ، بشفتين ولسان ، ولا يتوهم ـ تجلّيه للجبل كتجلّي ما نرى ، من تجلّى أهل هذه الدنيا ، إلا من لم يكن به تباركت أسماؤه وتعالى عارفا ، ولا له بما وصف به نفسه من الوحدانية واصفا ، ولا يتوهم مجيئه مجيء غائب ، ولا كمجيء ماش ولا راكب ـ إلا من لم يكن مؤمنا ، ولا بوحدانيته ولا بربوبيته موقنا.
وكذلك فينبغي لمن علم أو جهل ، أن يتوهم الكرسي والعرش والإحفاف والحمل ، على خلاف ما يعرف من الأشياء كلها ، لفرق ما بين الأشياء وجاعلها ، في كل صفة ومعنى من معانيها ، وكلما يعرفه عارف فيها. وبذلك ـ والله محمود ـ بان توحيده ، ووجب على العباد تمجيده ، ومن التبس عليه ذلك التبس عليه التوحيد ، ولم
__________________
(١) في (ب) و (د) : لا يتوهم.
(٢) سقط من (أ) و (ج) : عليها.
(٣) في (أ) و (ج) : من.
(٤) في (أ) و (ج) : كلام.