ومن ذلك قوله سبحانه : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [الشورى : ٥٢]. ولا يتوهم الروح كأرواح البشر ، إلا من لم يعمر الله قلبه بضياء ولا بصر.
ومما ضرب الله من الأمثال ، وما يفهم بها وفيها من المقال ، قوله سبحانه : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠)) [الشورى : ٢٠]. فدعا تبارك وتعالى ذلك كله حرثا وسمّاه ، ولم يرد بذلك سبحانه الحرث الذي نعرفه نحن ونراه ، من حرث الأرض الذي لا يكون حرثا عند من لا يعقل سواه ، وقد عرفنا بمنّ الله ما أراد بذلك (١) وعناه.
وكذلك الكرسي والعرش والحمل فقد علمنا ، أنه ليس يشبهه بما يفنى ، وأن لله في ذلك كله الأسماء الحسنى ، والمباينة للخلق من المشابهة له في كل معنى.
ومن الأمثال أيضا التي لا تخفى ، إلا على من جهل من الناس وجفا ، قوله سبحانه: (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ) [الحديد : ٢٥]. وإنما معنى الميزان : معنى القضاء (٢) والفصل ، وما حكم به بين عباده من العدل.
ومثل ذلك يقول أرحم الراحمين ، وأحكم الحاكمين : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧)) [الأنبياء : ٤٧]. ولا يتوهم الموازين ذات كفف ، ولا الوزن (٣) وزنا بالأيدي والأكف ، إلا كل بائر ، عم جائر ، وكلما ذكر الله من ذلك (٤) فبيّن والحمد لله معروف ، لا يعمى عنه ولا يعتسف العلم فيه إلا عسوف (٥).
ومن الأمثال التي لم تزل تمثلها العرب حديثا وقديما ، لا يجهل ما تريد بها إلا من كان من معرفة لسانها عديما ، قول زهير بن أبي سلمى ، في الجاهلية الجهلاء :
__________________
(١) في (أ) : من ذلك.
(٢) سقط من (أ) و (ج) : وإنما معنى الميزان. وفي (ب) و (د) : معنى للقضاء.
(٣) في (ب) : والوزن.
(٤) في (أ) و (ج) : ذكرنا الله من هذا من ذلك. مصحفة.
(٥) في (ج) : ولا يعسف. والعسوف : المائل عن العدل.