وفي حين أن الملكانية أعلنت التثليث بكل وضوح ، وناقضت العقل والنقل والتاريخ ونفسها أيضا ، نجد النسطورية تخوض محاولة للتوحيد وجعل الثلاثة واحدا في شكل ما ، ولكن يغلب عليها السذاجة وإن حملت طابعا فلسفيا خالصا.
أما اليعقوبية أصحاب القول بأقنوم واحد وطبيعة واحدة ، لم يلاقوا ترحيبا أو قبولا لدى فرق النصارى الأخرى وقد رد القرآن ، كما نرى في الرسالة ، كل هذه التصورات الموهومة.
لقد تمثلت في الرسالة الصياغة الفلسفية الجدلية الواعية إلى جانب النص القرآني في مناقشة الإمام القاسم للنصارى في عقائدها مع قدم النص ، إذ كتب يقينا في أوائل القرن الثالث الهجري ، قدرة المسلمين في الحوار مع الآخر في عقائده ببصيرة مستنيرة وفهم راشد بعيد عن التعصب الأعمى وفي إطار الدولة الواحدة ، والذي لم تستوعبه أوربا بعد ذلك ولا محاكم التفتيش ، وجاء الباقلاني من بعده فتأثر به تأثرا واضحا ، خصوصا عند ما تحدث عن الجوهر والعرض والجوهر والأقانيم ، والاتحاد والتجسد ، وبذلك جمع بين النسق الفلسفي والقرآني في وحدة واحدة أفاد من جاء بعده منها ، وساعدت على التأصيل لعلم الكلام منهجا وموضوعا ونقدا.
* * *