كثيرا متصلا أنه لا بد أن يفصل بينهما ، وأن يميّز أحدهما عن الثاني ، وأن يجد في كل واحد منهما أشياء بان بها عن الآخر ، لا يشبهه فيها ـ فصحّ بهذا أنه لا سبيل إلى وجود شخصين يتفقان في أخلاقهما كلها حتى لا يكون بينهما فرق في شيء منها ، وقد علمنا بيقين أن الأخلاق محمولة في النفس ، فصح بهذا أن نفس كل ذي نفس من الأجساد من أيّ نوع كانت غير النفس التي في غيره من الأجساد كلها ضرورة.
وقال أيضا بعض من ذهب إلى التناسخ من الحاملين ذلك على سبيل الجزاء : إن الله تعالى عدل حكيم رحيم كريم ، فإذ هو كذلك ، فمحال أن يعذّب من لا ذنب له ، قال : فلما وجدناه تعالى يقطع أجسام الصبيان الذين لا ذنب لهم بالجدري والقروح ويأمر بذبح بعض الحيوان الذي لا ذنب له ، وبطبخه وأكله ، ويسلط بعضها على بعض فيقطعه ويأكله ، ولا ذنب له ، علمنا أنه تعالى لم يفعل ذلك إلّا وقد كانت الأرواح عصاة مستحقة للعقاب فركبت في هذه الأجساد لتعذّب فيها.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وقد تكلمنا على إبطال هذا الأصل الفاسد في غير هذا المكان في باب الكلام على «البراهمة» في كتابنا هذا بما يكفي ، وقد ردّدنا الكلام أيضا في بيان بطلانه في غير ما موضع من كتابنا ، وفي باب الكلام على من أبطل القدر من المعتزلة في كتابنا هذا ، والحمد لله رب العالمين.
ويكفي من بطلان هذا الأصل الفاسد أن يقال لهم : إن طردتم هذا الأصل وقعتم في مثل ما أنكرتم ولا فرق ، وهو أن الحكيم العدل الرحيم على أصلكم لا يخلق من يعرضه للمعصية حتى يحتاج إلى إفساده بالعذاب بعد إصلاحه ، وقد كان قادرا على أن يطهر كل نفس خلقها ولا يعرضها للفتن ، ويلطف بها ألطافا فيصلحها بها ، حتى تستحق كلّها إحسانه والخلود في النعيم ، وما كان ذلك ينقض شيئا من ملكه ، فإن كان عاجزا عن ذلك فهذه صفة نقص ، ويلزم حاملها أن يكون من أجل نقصه محدثا مخلوقا ، فإن طردوا هذا الأصل خرجوا إلى قول المانوية في أن للأشياء فاعلين. وقد تقدّم إبطالنا لقولهم وبالله تعالى التوفيق.
وبينا أن الذي لا آمر فوقه ولا مرتب عليه فإن كل ما يفعله فهو حق وحكمة ، وإذ قد تعلق هؤلاء القوم بالشريعة فحكم الشريعة أن كل قول لم يأتي عن نبي تلك الشريعة فهو كذب وفرية ، فإذ لم يأتي عن أحد من الأنبياء عليهمالسلام القول بتناسخ الأرواح فقد صار قولهم به خرافة وكذبا وباطلا. وبالله تعالى التوفيق.