ورابعها : خطابه لهم بأنه عبدهم ، فإن كان المخاطب بذلك هو الله تعالى وهو المتجلي له فقد عادت البلية ، وإن كان المخاطبون بذلك الملائكة فحاش لله أن يخاطب إبراهيم عليهالسلام بالعبودية غير الله تعالى ومخلوقا مثله ، مع أن من المحال أن يخاطب ثلاثة بخطاب واحد.
وخامسها : قوله : «يؤخذ قليل من ماء ويغسل أرجلكم ، وأقدم كسرة من الخبز تشتد بها قلوبكم».
فهذه الحالة لئن كان خاطب بهذا الخطاب الله تعالى فهي التي لا سوى لها ولا بقية بعدها ، والتي تملأ الفم ، وإن كان خاطب بذلك الملائكة فهذا أكذب ، لأن إبراهيم عليهالسلام لا يجهل أن الملائكة لا تشتد قلوبهم بأكل كسر الخبز. فهذه على كل حال كذبة باردة سمجة. فإن قالوا : ظنهم ناسا. قلنا : هذا كذب لأن في أول الخبر يخبر أن الله تجلّى له ، وكيف يسجد إبراهيم ويتعبد لخاطر طريق (١)؟ حاش له من هذا الضلال.
وسادسها : إخباره أنهم أكلوا الخبز والشوى والسمن واللبن ، وحاش له أن يكون هذا خبرا عن الله تعالى ، لا ولا عن الملائكة ، أين هذا الكذب البارد الفاضح الذي يشبه عقول اليهود المصدقين به من الحق المنير الواضح عليه ضياء اليقين من قول الله عزوجل في هذه القصة نفسها :
(وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ) [سورة هود : ٦٨ ـ ٧٠].
هيهات نور الحق من ظلمات الكذب! والحمد لله رب العالمين كثيرا.
وفيها أيضا وجه سابع ليس كهذه الوجوه في الشناعة : وهو إقرارهم بأن إبراهيم أطعم الملائكة اللحم واللبن والسمن معا. والربانيون منهم يحرّمون هذا اليوم. فأقل ما فيه النسخ على أن يكون سلامته من أطم الدّواهي ، والسلامة والله منهم بعيدة.
فصل
بشرى إبراهيم بإنجاب ولد
ثم قال متصلا بهذا الفصل : «وقالوا له : أين سارة زوجتك؟ فقال : ها هي ذه في
__________________
(١) خاطر الطريق : عابره.