وأمّا التشبيه على الواحد والاثنين ونحو ذلك فإنه جائز ، وكذلك فقد العقل والسخافة يجوز ذلك على الواحد والاثنين ونحو ذلك ، ولا يجوز على الجماعة كلها.
وقوله تعالى : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) [سورة النساء : ١٥٧] إنما هو إخبار عن الذين يقولون بتقليد أسلافهم من النصارى واليهود : إنه عليهالسلام قتل وصلب ، فهؤلاء شبّه لهم القول أي أدخلوا في شبهة منه. وكان المشبهون لهم شيوخ السوء في ذلك الوقت وشرطهم المدّعون لهم أنهم قتلوه وصلبوه وهم يعلمون أنه لم يكن ذلك ، وإنما أخذوا من أمكنهم فقتلوه ، وصلبوه في استتار ومنع من حضور الناس ، ثم أنزلوه ودفنوه تمويها على العامة الذين شبّه لهم الخبر.
ثم نقول لليهود والنصارى بعد أن بينا بحول الله وقوته فساد ما شغبوا به في هذه المسألة : إنّ كوافّكم قد نقلت عن بعض أنبيائكم فسوقا ووطء إماء وهو حرام عندكم ، وعن هارون عليهالسلام : أنه هو الذي عمل العجل لبني إسرائيل وأمرهم بعبادته والرقص أمامه ، وقد نزه الله تعالى الأنبياء عليهمالسلام عن عبادة غيره ، وعن الأمر بذلك ، وعن كل معصية ورذيلة ، فإذا جوّزوا كلهم هذا على أنبياء منهم موسى عليهالسلام وسائر الأنبياء كان كل ما أمروهم به من جنس عمل العجل والرقص والأمر بعبادته ، ومن جنس وطء الإماء وسائر ما نسبوه إلى داود وسليمان عليهماالسلام ، وسائر أنبيائهم ، لا سيما وهم يقرون بأن العجل كان يخور بطبعه.
وأمّا نحن فجوابنا في هذا كله بأن ليس شيء منه نقل كافة ، ولكن نقل آحاد كذبوا فيه ، وأمّا خوار العجل فإنما هو على ما روينا عن ابن عباس رضي الله عنه من أنه إنما كان صفير الريح تدخل من فيه وتخرج من دبره ، لا أنه خار بطبعه قط ، وحتى لو صح أنه خار بطبعه لكان ذلك من أجل القوة التي كانت في القبضة التي قبضها السامري من أثر جبريل عليهالسلام ، والذي يعتمد عليه قول ابن عباس رضي الله عنه الذي ذكرناه ، وبالله تعالى التوفيق.
وأمّا قوله : كيف كان الغرض قبل ورود النص ببطلان صلبه؟ الإقرار بصلبه أم الإنكار له؟
فهذه قسمة فاسدة شغبية قد حذّر منها الأوائل كثيرا ، ونبه عليها أهل المعرفة بحدود الكلام ، وذلك أنهم أوجبوا فرضا ثم قسموه على قسمين : إمّا فرض بإنكار وإمّا فرض بإقرار ، وأضربوا عن القسم الصحيح فلم يذكروه ، وهذا لا يرضى به لنفسه إلّا جاهل أو سخيف مغالط غابن لنفسه غاشّ لمن اغتر به. وإنما الحقيقة هاهنا أن يقول :