الثالث : بمعنى تنزيه القلب عن الذّنوب ، وهذه هى الحقيقة فى التّقوى دون الأوّلين ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ)(١) ، ذكر الطّاعة والخشية ثمّ ذكر التّقوى ، فعلمت بهذا أنّ حقيقة التقوى بمعنى غير الطاعة والخشية ، وهى تنزيه القلب عمّا ذكرناه.
ومنازل (٢) التقوى ثلاثة على ما ذكره الشيوخ الجلّة : تقوى عن الشّرك ؛ وتقوى عن البدعة ؛ وتقوى عن المعاصى الفرعيّة. وقد ذكرها الله سبحانه فى آية واحدة وهى قوله عزوجل : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(٣) ، التّقوى الأولى تقوى عن الشّرك ، والإيمان فى مقابلة التوحيد ؛ والتّقوى الثانية عن البدعة ، والإيمان المذكور معها إقرار السنّة والجماعة ؛ والتّقوى الثالثة عن المعاصى الفرعيّة ، والإقرار فى هذه المنزلة قابلها بالإحسان وهو الطّاعة والاستقامة عليها.
قال الغزالى : ووجدت التّقوى بمعنى اجتناب فضول الحلال ، وهو ما فى الخبر المشهور عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «إنّما سمّى المتّقون متقين لتركهم ما لا بأس حذرا عمّا به بأس» فأحببت أن أجمع بين ما قاله علماؤنا وبين ما فى الخبر النّبوىّ فيكون حدّا جامعا ، ومعنى بالغا فأقول : التّقوى اجتناب ما تخاف ضررا فى دينك وذلك
__________________
(١) الآية ٥٢ سورة النور.
(٢) منازل التقوى : مراتبها ومواضعها.
(٣) الآية ٩٣ سورة المائدة.