منثورا. وقد علمنا أنّ الله تعالى إنّما يتقبّل من المتّقين ، فرجع الأمر كلّه إلى التّقوى. وقال بعض المريدين لشيخه : أوصنى قال : أوصيك بما أوصى الله تعالى الأوّلين والآخرين / وهو قوله : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ)(١). قال الشيخ أبو حامد رحمهالله : أليس الله سبحانه أعلم بصلاح العبد من كلّ أحد ، ولو كانت فى العالم خصلة هى أصلح للعبد وأجمع للخير ، وأعظم للأجر ، وأجلّ فى العبوديّة ، وأعظم فى القدر ، وأولى فى الحال ، وأنجح فى المآل من هذه الخصلة الّتى هى التقوى لكان الله سبحانه أمر بها عباده وأوصى خواصّه بذلك ؛ لكمال حكمته ورحمته ، فلمّا أوصى بهذه الخصلة جميع الأوّلين والآخرين [من](٢) عباده واقتصر عليها علمنا أنّها الغاية التى لا متجاوز عنها ، وأنّه عزوجل قد جمع كلّ محض نصح ، ودلالة ، وإرشاد ، وتأديب ، وتعليم ، وتهذيب فى هذه الوصيّة الواحدة كما يليق بحكمته ورحمته ، فهى الخصلة الجامعة لخير الدّنيا والآخرة ، الكافية لجميع المهمات ، المبلغة إلى أعلى الدّرجات. وهذا أصل لا مزيد عليه ، وفيه كفاية لمن أبصر النّور واهتدى ، وعمل واستغنى. والله ولىّ الهداية والتّوفيق. ولقد أحسن القائل :
من عرف الله فلم تغنه |
|
معرفة الله فذاك الشّقى |
ما يصنع العبد بعزّ الغنى |
|
والعزّ كلّ العزّ للمتّقى |
روى الثّعلبىّ (٣) بسنده عن ابن عبّاس رضى الله عنهما قال : «قرأ
__________________
(١) الآية ١٣١ سورة النساء.
(٢) تكملة يقتضيها السياق.
(٣) الكافى الشافى لابن حجر ١٧٤ وفيه أيضا : رواه أبو نعيم موقوفا على قتادة فى ترجمته فى الحلية.